الأحد، 24 أكتوبر 2021

الجزء الثاني : فصول نافعة فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطِّبِّ الَّذِي تَطَبَّبَ بِهِ وَوَصَفَهُ لِغَيْرِهِ لإبن القيم

 الجزء الثاني : فصول نافعة فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطِّبِّ الَّذِي تَطَبَّبَ بِهِ وَوَصَفَهُ لِغَيْرِهِ. 


الجزء الثاني : فصول نافعة فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطِّبِّ الَّذِي تَطَبَّبَ بِهِ وَوَصَفَهُ لِغَيْرِهِ.


وَأَمَّا مَرَضُ الْأَبَدَانِ، فَقَالَ تَعَالَى لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ  . وَذَكَرَ مَرَضَ الْبَدَنِ فِي الْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالْوُضُوءِ لِسِرٍّ بَدِيعٍ يُبَيِّنُ لَكَ عَظَمَةَ الْقُرْآنِ، وَالِاسْتِغْنَاءَ بِهِ لِمَنْ فَهِمَهُ وَعَقَلَهُ عَنْ سِوَاهُ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوَاعِدَ طِبِّ الْأَبْدَانِ ثَلَاثَةٌ حِفْظُ الصِّحَّةِ، وَالْحِمْيَةُ عَنِ الْمُؤْذِي، وَاسْتِفْرَاغُ الْمَوَادِّ الْفَاسِدَةِ، فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الْأُصُولَ الثَّلَاثَةَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ.

فَقَالَ فِي آيَةِ الصَّوْمِ: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ  ، فَأَبَاحَ الْفِطْرَ لِلْمَرِيضِ لِعُذْرِ الْمَرَضِ، وَلِلْمُسَافِرِ طَلَبًا لِحِفْظِ صِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ لِئَلَّا يُذْهِبَهَا الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ لِاجْتِمَاعِ شِدَّةِ الْحَرَكَةِ، وَمَا يُوجِبُهُ مِنَ التَّحْلِيلِ، وَعَدَمِ الْغِذَاءِ الَّذِي يُخْلِفُ مَا تَحَلَّلَ فَتَخُورُ الْقُوَّةُ، وَتَضْعُفُ، فَأَبَاحَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرَ حِفْظًا لِصِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ عَمَّا يُضْعِفُهَا

وَقَالَ فِي آيَةِ الْحَجِّ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ، فَأَبَاحَ لِلْمَرِيضِ، وَمَنْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ، من قمل، أَوْ غَيْرِهِمَا، أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ فِي الْإِحْرَامِ اسْتِفْرَاغًا لِمَادَّةِ الْأَبْخِرَةِ الرَّدِيئَةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ لَهُ الْأَذَى فِي رَأْسِهِ بِاحْتِقَانِهَا تَحْتَ الشَّعْرِ، فَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ تَفَتَّحَتِ الْمَسَامُّ، فَخَرَجَتْ تِلْكَ الْأَبْخِرَةُ مِنْهَا، فَهَذَا الِاسْتِفْرَاغُ يُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ اسْتِفْرَاغٍ يُؤْذِي انْحِبَاسُهُ، وَالْأَشْيَاءُ الَّتِي يُؤْذِي انْحِبَاسُهَا وَمُدَافَعَتُهَا عَشَرَةٌ: الدَّمُ إِذَا هَاجَ، وَالْمَنِيُّ إِذَا تَبَيَّغَ، وَالْبَوْلُ، وَالْغَائِطُ، وَالرِّيحُ، وَالْقَيْءُ، وَالْعُطَاسُ، وَالنَّوْمُ، وَالْجُوعُ، وَالْعَطَشُ. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ يُوجِبُ حَبْسُهُ دَاءً مِنَ الْأَدْوَاءِ بِحَسْبِهِ.

وَقَدْ نَبَّهَ سُبْحَانَهُ بِاسْتِفْرَاغِ أَدْنَاهَا، وَهُوَ الْبُخَارُ الْمُحْتَقَنُ فِي الرَّأْسِ عَلَى اسْتِفْرَاغِ مَا هُوَ أَصْعَبُ مِنْهُ، كَمَا هِيَ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ التَّنْبِيهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى.

وَأَمَّا الْحِمْيَةُ: فَقَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ الْوُضُوءِ: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ، أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً «2» ، فَأَبَاحَ لِلْمَرِيضِ الْعُدُولَ عَنِ الْمَاءِ إِلَى التُّرَابِ حِمْيَةً لَهُ أَنْ يُصِيبَ جَسَدَهُ مَا يُؤْذِيهِ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الْحِمْيَةِ عَنْ كُلِّ مُؤْذٍ لَهُ مِنْ دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ فَقَدْ أَرْشَدَ- سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ إِلَى أُصُولِ الطِّبِّ وَمَجَامِعِ قَوَاعِدِهِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَدْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَنُبَيِّنُ أَنَّ هَدْيَهُ فِيهِ أَكْمَلُ هَدْيٍ.

فَأَمَّا طِبُّ الْقُلُوبِ، فَمُسَلَّمٌ إِلَى الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى حُصُولِهِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَإِنَّ صَلَاحَ الْقُلُوبِ أَنْ تَكُونَ عَارِفَةً بِرَبِّهَا، وَفَاطِرِهَا، وَبِأَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَأَحْكَامِهِ، وَأَنْ تَكُونَ مُؤْثِرَةً لِمَرْضَاتِهِ وَمُحَابِّهِ، مُتَجَنِّبَةً لِمَنَاهِيهِ وَمَسَاخِطِهِ، وَلَا صِحَّةَ لَهَا وَلَا حَيَاةَ الْبَتَّةَ إِلَّا بِذَلِكَ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَلَقِّيهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الرُّسُلِ وَمَا يُظَنُّ مِنْ حُصُولِ صِحَّةِ الْقَلْبِ بِدُونِ اتِّبَاعِهِمْ، فَغَلَطٌ مِمَّنْ يَظُنُّ ذَلِكَ، وَإِنِّمَا ذَلِكَ حَيَاةُ نَفْسِهِ الْبَهِيمِيَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ، وَصِحَّتُهَا وَقُوَّتُهَا، وَحَيَاةُ قَلْبِهِ وَصِحَّتُهُ، وَقُوَّتُهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ وَمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، فَلْيَبْكِ عَلَى حَيَاةِ قَلْبِهِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْأَمْوَاتِ، وَعَلَى نُورِهِ، فَإِنَّهُ مُنْغَمِسٌ فِي بِحَارِ الظُّلُمَاتِ.







0 التعليقات:

إرسال تعليق