الأربعاء، 30 نوفمبر 2022

هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في علاج الأورام، والخراجات الَّتِي تَبْرَأُ بِالْبَطِّ وَالْبَزْلِ من كتاب الطب النبوي لإبن القيم

هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في علاج الأورام، والخراجات الَّتِي تَبْرَأُ بِالْبَطِّ وَالْبَزْلِ

هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في علاج الأورام، والخراجات الَّتِي تَبْرَأُ بِالْبَطِّ وَالْبَزْلِ  من كتاب الطب النبوي لإبن القيم



يُذْكَرُ عَنْ علي أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ يَعُودُهُ بِظَهْرِهِ وَرَمٌ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِهَذِهِ مِدَّةٌ. قَالَ: «بُطُّوا عَنْهُ» ، قَالَ علي: فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى بُطَّتْ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاهِدٌ  .
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ طَبِيبًا أَنْ يَبُطَّ بَطْنَ رَجُلٍ أَجْوَى الْبَطْنِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلْ يَنْفَعُ الطِّبُّ؟ قَالَ: «الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ، أَنْزَلَ الشِّفَاءَ، فِيمَا شَاءَ» .
الْوَرَمُ: مَادَّةٌ فِي حَجْمِ الْعُضْوِ لِفَضْلِ مَادَّةٍ غَيْرِ طبيعية تنصب اليه، ويوجد في أَجْنَاسِ الْأَمْرَاضِ كُلِّهَا، وَالْمَوَادُّ الَّتِي تَكَوَّنَ عَنْهَا مِنَ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْمَائِيَّةِ، وَالرِّيحِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْوَرَمُ سُمِّيَ خُرَّاجًا، وَكُلُّ وَرَمٍ حَارٍّ يَؤُولُ أَمْرُهُ إِلَى أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إِمَّا تَحَلُّلٍ، وَإِمَّا جَمْعِ مِدَّةٍ، وَإِمَّا اسْتِحَالَةٍ إِلَى الصَّلَابَةِ. فَإِنْ كَانَتِ الْقُوَّةُ قَوِيَّةً، اسْتَوْلَتْ عَلَى مَادَّةِ الْوَرَمِ وَحَلَّلَتْهُ، وَهِيَ أَصْلَحُ الْحَالَاتِ الَّتِي يَؤُولُ حَالُ الْوَرَمِ إِلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ ذَلِكَ، أَنْضَجَتِ الْمَادَّةَ، وَأَحَالَتْهَا مِدَّةً بَيْضَاءَ، وَفَتَحَتْ لَهَا مَكَانًا أَسَالَتْهَا مِنْهُ. وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ ذَلِكَ أَحَالَتِ الْمَادَّةَ مِدَّةً غَيْرَ مُسْتَحْكِمَةِ النُّضْجِ، وَعَجَزَتْ عَنْ فَتْحِ مَكَانٍ فِي الْعُضْوِ تَدْفَعُهَا مِنْهُ، فَيُخَافُ عَلَى الْعُضْوِ الْفَسَادَ بِطُولِ لُبْثِهَا فِيهِ، فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إِلَى إِعَانَةِ الطَّبِيبِ بِالْبَطِّ، أَوْ غَيْرِهِ لِإِخْرَاجِ تِلْكَ الْمَادَّةِ الرَّدِيئَةِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعُضْوِ.
وَفِي الْبَطِّ فَائِدَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: إِخْرَاجُ الْمَادَّةِ الرَّدِيئَةِ الْمُفْسِدَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: مَنْعُ اجْتِمَاعِ مَادَّةٍ أُخْرَى إِلَيْهَا تُقَوِّيهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي: «إِنَّهُ أَمَرَ طَبِيبًا أَنْ يَبُطَّ بَطْنَ رَجُلٍ أَجْوَى الْبَطْنِ» ، فَالْجَوَى يُقَالُ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا: الْمَاءُ الْمُنْتِنُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَطْنِ يَحْدُثُ عَنْهُ الِاسْتِسْقَاءُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي بَزْلِهِ لِخُرُوجِ هَذِهِ الْمَادَّةِ، فَمَنَعَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لِخَطَرِهِ، وَبُعْدِ السَّلَامَةِ مَعَهُ، وَجَوَّزَتْهُ طَائِفَةٌ أُخْرَى، وَقَالَتْ: لَا عِلَاجَ لَهُ سِوَاهُ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ الزِّقِّيِّ، فَإِنَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: طَبْلِيٌّ، وَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِخُ مَعَهُ الْبَطْنُ بِمَادَّةٍ رِيحِيَّةٍ إِذَا ضَرَبْتَ عَلَيْهِ سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ كَصَوْتِ الطَّبْلِ، وَلَحْمِيٌّ: وَهُوَ الَّذِي يَرْبُو مَعَهُ لَحْمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِمَادَّةٍ بَلْغَمِيَّةٍ تَفْشُو مَعَ الدَّمِ فِي الْأَعْضَاءِ، وَهُوَ أَصْعَبُ مِنَ الْأَوَّلِ، وَزِقِّيٌّ: وَهُوَ الَّذِي يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي الْبَطْنِ الْأَسْفَلِ مَادَّةٌ رَدِيئَةٌ يُسْمَعُ لَهَا عِنْدَ الْحَرَكَةِ خَضْخَضَةٌ كَخَضْخَضَةِ الْمَاءِ فِي الزِّقِّ، وَهُوَ أَرْدَأُ أَنْوَاعِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنَ الْأَطِبَّاءِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَرْدَأُ أَنْوَاعِهِ اللَّحْمِيُّ لِعُمُومِ الْآفَةِ بِهِ. وَمِنْ جُمْلَةِ عِلَاجِ الزِّقِّيِّ إِخْرَاجُ ذَلِكَ بِالْبَزْلِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ فَصْدِ الْعُرُوقِ لِإِخْرَاجِ الدَّمِ الْفَاسِدِ، لَكِنَّهُ خَطَرٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَزْلِهِ، والله أعلم.



0 التعليقات:

إرسال تعليق