Mont thor

Mont thor

Montagne de lumière

Montagne de lumière

Sun Montain

Sun Montain

Gin Montain

Gin Montain

Montagne Moise

Montagne Moise

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2022

هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِلَاجِ الصَّرَعِ الطب النبوي لإبن القيم

  هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِلَاجِ الصَّرَعِ


هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِلَاجِ الصَّرَعِ الطب النبوي لإبن القيم



أَخْرَجَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكِ أَنْ يُعَافِيَكِ» ، فَقَالَتْ: أصبر. قالت فإني أتكشّف، فادع الله ألاأتكشف، فَدَعَا لَهَا 
قُلْتُ: الصَّرَعُ صَرَعَانِ: صَرَعٌ مِنَ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ الْأَرْضِيَّةِ، وَصَرَعٌ مِنَ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيئَةِ. وَالثَّانِي: هُوَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ الْأَطِبَّاءُ فِي سَبَبِهِ وَعِلَاجِهِ.
وَأَمَّا صَرَعُ الْأَرْوَاحِ، فَأَئِمَّتُهُمْ وَعُقَلَاؤُهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِهِ، وَلَا يَدْفَعُونَهُ، وَيَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ عِلَاجَهُ بِمُقَابَلَةِ الْأَرْوَاحِ الشَّرِيفَةِ الْخَيِّرَةِ الْعُلْوِيَّةِ لِتِلْكَ الْأَرْوَاحِ الشِّرِّيرَةِ الْخَبِيثَةِ، فَتُدَافُعُ آثَارَهَا، وَتُعَارِضُ أَفْعَالَهَا وَتُبْطِلُهَا، وقد نص على ذلك بقراط فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، فَذَكَرَ بَعْضَ عِلَاجِ الصَّرَعِ، وَقَالَ: هَذَا إِنَّمَا يَنْفَعُ مِنَ الصَّرَعِ الَّذِي سَبَبُهُ الْأَخْلَاطُ وَالْمَادَّةُ. وَأَمَّا الصَّرَعُ الَّذِي يَكُونُ مِنَ الْأَرْوَاحِ، فَلَا يَنْفَعُ فِيهِ هَذَا الْعِلَاجُ.
وَأَمَّا جَهَلَةُ الْأَطِبَّاءِ وَسَقَطُهُمْ وَسِفْلَتُهُمْ، وَمَنْ يَعْتَقِدُ بالزندقة فضيلة، فأؤلئك يُنْكِرُونَ صَرَعَ الْأَرْوَاحِ، وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي بَدَنِ الْمَصْرُوعِ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ إِلَّا الْجَهْلُ، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الصِّنَاعَةِ الطِّبِّيَّةِ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ، وَالْحِسُّ وَالْوُجُودُ شَاهِدٌ بِهِ، وَإِحَالَتُهُمْ ذَلِكَ على غلبة بعض الأخلاط، وصادق فِي بَعْضِ أَقْسَامِهِ لَا فِي كُلِّهَا.
وَقُدَمَاءُ الْأَطِبَّاءِ كَانُوا يُسَمُّونَ هَذَا الصَّرَعَ: الْمَرَضَ الْإِلَهِيَّ، وَقَالُوا: إنَّهُ مِنَ الْأَرْوَاحِ، وَأَمَّا جَالِينُوسُ وَغَيْرُهُ، فَتَأَوَّلُوا عَلَيْهِمْ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا سَمَّوْهُ بِالْمَرَضِ الْإِلَهِيِّ لِكَوْنِ هَذِهِ الْعِلَّةِ تَحْدُثُ فِي الرَّأْسِ، فَتَضُرُّ بِالْجُزْءِ الْإِلَهِيِّ الطَّاهِرِ الَّذِي مَسْكَنُهُ الدماغ.


وَهَذَا التَّأْوِيلُ نَشَأَ لَهُمْ مِنْ جَهْلِهِمْ بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ وَأَحْكَامِهَا، وَتَأْثِيرَاتِهَا، وَجَاءَتْ زَنَادِقَةُ الْأَطِبَّاءِ فَلَمْ يُثْبِتُوا إِلَّا صَرَعَ الْأَخْلَاطِ وَحْدَهُ.
وَمَنْ لَهُ عَقْلٌ وَمَعْرِفَةٌ بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ وَتَأْثِيرَاتِهَا يَضْحَكُ مِنْ جَهْلِ هَؤُلَاءِ وَضَعْفِ عُقُولِهِمْ.
وَعِلَاجُ هَذَا النَّوْعِ يَكُونُ بِأَمْرَيْنِ: أَمْرٍ مِنْ جِهَةِ الْمَصْرُوعِ، وَأَمْرٍ مِنْ جِهَةِ الْمُعَالِجِ، فَاَلَّذِي مِنْ جِهَةِ الْمَصْرُوعِ يَكُونُ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ، وَصِدْقِ تَوَجُّهِهِ إِلَى فَاطِرِ هَذِهِ الْأَرْوَاحِ وَبَارِئِهَا، وَالتَّعَوُّذِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَدْ تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ، فَإِنَّ هَذَا نَوْعُ مُحَارَبَةٍ، وَالْمُحَارِبُ لَا يَتِمُّ لَهُ الِانْتِصَافُ مِنْ عَدُوِّهِ بِالسِّلَاحِ إِلَّا بِأَمْرَيْنِ: أَنْ يَكُونَ السِّلَاحُ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ جَيِّدًا، وَأَنْ يَكُونَ السَّاعِدُ قَوِيًّا، فَمَتَى تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُغْنِ السِّلَاحُ كَثِيرَ طَائِلٍ، فَكَيْفَ إِذَا عُدِمَ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا: يَكُونُ الْقَلْبُ خَرَابًا مِنَ التَّوْحِيدِ، وَالتَّوَكُّلِ، وَالتَّقْوَى، وَالتَّوَجُّهِ، وَلَا سِلَاحَ لَهُ.
وَالثَّانِي: مِنْ جِهَةِ الْمُعَالِجِ، بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ هَذَانِ الْأَمْرَانِ أَيْضًا، حَتَّى إِنَّ مِنَ الْمُعَالِجِينَ مَنْ يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ: «اخْرُجْ مِنْهُ» . أَوْ بِقَوْلِ: «بِسْمِ اللَّهِ» ، أَوْ بِقَوْلِ «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ» ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ»  .
وَشَاهَدْتُ شَيْخَنَا يُرْسِلُ إِلَى الْمَصْرُوعِ مَنْ يُخَاطِبُ الرُّوحَ الَّتِي فِيهِ، وَيَقُولُ:
قَالَ لَكِ الشَّيْخُ: اخْرُجِي، فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَكِ، فَيُفِيقُ الْمَصْرُوعُ، وَرُبَّمَا خَاطَبَهَا بِنَفْسِهِ، وَرُبَّمَا كَانَتِ الرُّوحُ مَارِدَةً فَيُخْرِجُهَا بِالضَّرْبِ، فَيُفِيقُ الْمَصْرُوعُ وَلَا يَحُسُّ بِأَلَمٍ، وَقَدْ شَاهَدْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا مِنْهُ ذَلِكَ مِرَارًا.
وكان كثيرا ما يقرأ في أذن المضروع: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لَا تُرْجَعُونَ 
وَحَدَّثَنِي أَنَّهُ قَرَأَهَا مَرَّةً فِي أُذُنِ الْمَصْرُوعِ، فَقَالَتِ الرُّوحُ: نَعَمْ، وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ.
قَالَ: فَأَخَذْتُ لَهُ عَصًا، وَضَرَبْتُهُ بِهَا فِي عُرُوقِ عُنُقِهِ حَتَّى كَلَّتْ يَدَايَ مِنَ الضَّرْبِ، وَلَمْ يشكّ الحاضرون أنه يموت لذلك الضربة ففي أثناء الضرب قالت: «أنا أحبّه، فَقُلْتُ لَهَا: هُوَ لَا يُحِبُّكِ، قَالَتْ: أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ بِهِ، فَقُلْتُ لَهَا هُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ مَعَكِ، فَقَالَتْ أَنَا أَدَعُهُ كَرَامَةً لَكَ، قَالَ: قُلْتُ: لَا وَلَكِنْ طَاعَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، قَالَتْ:
فَأَنَا أَخْرُجُ مِنْهُ، قَالَ: فَقَعَدَ الْمَصْرُوعُ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَقَالَ: مَا جَاءَ بِي إِلَى حَضْرَةِ الشَّيْخِ، قَالُوا لَهُ: وَهَذَا الضَّرْبُ كُلُّهُ؟ فَقَالَ وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَضْرِبُنِي الشَّيْخُ وَلَمْ أُذْنِبْ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِأَنَّهُ وَقَعَ بِهِ ضَرْبٌ الْبَتَّةَ
وَكَانَ يُعَالِجُ بِآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَكَانَ يَأْمُرُ بِكَثْرَةِ قِرَاءَتِهَا الْمَصْرُوعَ وَمَنْ يُعَالِجُهُ بِهَا، وَبِقِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الصَّرَعِ، وَعِلَاجِهِ لَا يُنْكِرُهُ إِلَّا قَلِيلُ الْحَظِّ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَأَكْثَرُ تَسَلُّطِ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ عَلَى أَهْلِهِ تَكُونُ مِنْ جِهَةِ قِلَّةِ دِينِهِمْ، وَخَرَابِ قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ مِنْ حَقَائِقِ الذِّكْرِ، وَالتَّعَاوِيذِ، وَالتَّحَصُّنَاتِ النَّبَوِيَّةِ وَالْإِيمَانِيَّةِ، فَتَلْقَى الرُّوحُ الْخَبِيثَةُ الرَّجُلَ أَعْزَلَ لَا سِلَاحَ مَعَهُ، وَرُبَّمَا كَانَ عُرْيَانًا فَيُؤَثِّرُ فِيهِ هَذَا.
وَلَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ، لَرَأَيْتَ أَكْثَرَ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ صَرْعَى هَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ، وَهِيَ فِي أَسْرِهَا وَقَبْضَتِهَا تَسُوقُهَا حَيْثُ شَاءَتْ، وَلَا يُمْكِنُهَا الِامْتِنَاعُ عَنْهَا وَلَا مُخَالَفَتُهَا، وَبِهَا الصَّرَعُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَا يُفِيقُ صَاحِبُهُ إِلَّا عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ وَالْمُعَايَنَةِ، فَهُنَاكَ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ كَانَ هُوَ الْمَصْرُوعَ حَقِيقَةً، وَبِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَعِلَاجُ هَذَا الصَّرَعِ بِاقْتِرَانِ الْعَقْلِ الصَّحِيحِ إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَأَنْ تَكُونَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ وَقِبْلَةَ قَلْبِهِ، وَيَسْتَحْضِرَ أَهْلَ الدُّنْيَا، وَحُلُولَ الْمَثُلَاتِ وَالْآفَاتِ بِهِمْ، وَوُقُوعَهَا خِلَالَ دِيَارِهِمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ، وَهُمْ صَرْعَى لَا يُفِيقُونَ، وَمَا أَشَدَّ دَاءَ هَذَا الصَّرَعِ، وَلَكِنْ لَمَّا عَمَّتِ الْبَلِيَّةُ بِهِ بِحَيْثُ لَا يُرَى إِلَّا مَصْرُوعًا، لَمْ يَصِرْ مُسْتَغْرَبًا وَلَا مُسْتَنْكَرًا، بَلْ صَارَ لِكَثْرَةِ الْمَصْرُوعِينَ عَيْنَ الْمُسْتَنْكَرِ الْمُسْتَغْرَبِ خِلَافَهُ.
فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا أَفَاقَ مِنْ هَذِهِ الصَّرْعَةِ، وَنَظَرَ إِلَى أَبْنَاءِ الدُّنْيَا مَصْرُوعِينَ حَوْلَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَطْبَقَ بِهِ الْجُنُونُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفِيقُ أَحْيَانًا قَلِيلَةً، وَيَعُودُ إِلَى جُنُونِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفِيقُ مَرَّةً، وَيُجَنُّ أُخْرَى، فَإِذَا أَفَاقَ عَمِلَ عَمَلَ أَهْلِ الْإِفَاقَةِ وَالْعَقْلِ، ثُمَّ يعاوده الصرع فيقع في التخبط.




السبت، 8 أكتوبر 2022

هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَطْعِ الْعُرُوقِ وَالْكَيِّ الطب النبوي لإبن القيم

  هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَطْعِ الْعُرُوقِ وَالْكَيِّ


هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَطْعِ الْعُرُوقِ وَالْكَيِّ الطب النبوي لإبن القيم



ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ» مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا، فَقَطَعَ لَهُ عِرْقًا وَكَوَاهُ عَلَيْهِ 
وَلَمَّا رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ حَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَرِمَتْ، فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ  . وَالْحَسْمُ: هُوَ الْكَيُّ.
وَفِي طَرِيقٍ آخَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي أَكْحَلِهِ بِمِشْقَصٍ، ثُمَّ حَسَمَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ.
وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ رُمِيَ فِي أَكْحَلِهِ بِمِشْقَصٍ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فَكُوِيَ.
وَقَالَ أبو عبيد: وَقَدْ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ نُعِتَ لَهُ الْكَيُّ، فَقَالَ: «اكْوُوهُ وَارْضِفُوهُ»  قَالَ أبو عبيد: الرَّضْفُ الْحِجَارَةُ تُسَخَّنُ، ثُمَّ يُكْمَدُ بِهَا.
وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ: حَدَّثَنَا سفيان، عَنْ أبي الزبير، عَنْ جابر، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَاهُ فِي أَكْحَلِهِ.


وَفِي الترمذي، عَنْ أنس، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَوَى أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنَ الشَّوْكَةِ»  ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَفِيهِ «وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ» وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» .
وَفِي «جَامِعِ الترمذي» وَغَيْرِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْكَيِّ قَالَ: فَابْتُلِينَا فَاكْتَوَيْنَا فَمَا أَفْلَحْنَا، وَلَا أَنْجَحْنَا. وَفِي لَفْظٍ: نُهِينَا عَنِ الْكَيِّ وَقَالَ:
فَمَا أَفْلَحْنَ وَلَا أَنْجَحْنَ  .
قَالَ الخطابي: إِنَّمَا كَوَى سعدا لِيَرْقَأَ الدَّمَ مِنْ جُرْحِهِ، وَخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِفَ فَيَهْلَكَ. وَالْكَيُّ مُسْتَعْمَلٌ فِي هَذَا الْبَابِ، كَمَا يُكْوَى مَنْ تُقْطَعُ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ.
وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْكَيِّ، فَهُوَ أَنْ يَكْتَوِيَ طَلَبًا لِلشِّفَاءِ، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكْتَوِ، هَلَكَ، فَنَهَاهُمْ عَنْهُ لِأَجْلِ هَذِهِ النِّيَّةِ.
وَقِيلَ إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ خَاصَّةً، لِأَنَّهُ كَانَ بِهِ نَاصُورٌ، وَكَانَ مَوْضِعُهُ خَطَرًا، فَنَهَاهُ عَنْ كَيِّهِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مُنْصَرِفًا إِلَى الْمَوْضِعِ الْمُخَوَّفِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابن قتيبة: الْكَيُّ جِنْسَانِ: كَيُّ الصَّحِيحِ لِئَلَّا يَعْتَلَّ، فَهَذَا الَّذِي قِيلَ فِيهِ:
لَمْ يَتَوَكَّلْ مَنِ اكْتَوَى، لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَ الْقَدَرَ عَنْ نَفْسِهِ.
وَالثَّانِي: كَيُّ الْجُرْحِ إِذَا نَغِلَ، وَالْعُضْوِ إِذَا قُطِعَ، فَفِي هَذَا الشِّفَاءُ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْكَيُّ لِلتَّدَاوِي الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَنْجَعَ، وَيَجُوزُ ألاينجع، فَإِنَّهُ إِلَى الْكَرَاهَةِ أَقْرَبُ. انْتَهَى.
وَثَبَتَ فِي «الصَّحِيحِ» فِي حَدِيثِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ أَنَّهُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»  .
فَقَدْ تَضَمَّنَتْ أَحَادِيثُ الْكَيِّ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ، أَحَدُهَا: فِعْلُهُ؛ وَالثَّانِي: عَدَمُ مَحَبَّتِهِ لَهُ، وَالثَّالِثُ: الثَّنَاءُ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ، وَالرَّابِعُ: النَّهْيُ عَنْهُ، وَلَا تعارض بينهما بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى جِوَازِهِ، وَعَدَمُ مَحَبَّتِهِ لَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى المنع منه. وأما الثناء على تَارِكِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى وَأَفْضَلُ. وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْهُ، فَعَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ وَالْكَرَاهَةِ، أَوْ عَنِ النَّوْعِ الَّذِي لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، بَلْ يُفْعَلُ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ الدَّاءِ، وَاَللَّهُ أعلم.





الجمعة، 7 أكتوبر 2022

وقت الحجامة الطب النبوي لإبن القيم

 فصل [في وقت الحجامة]


وقت الحجامة الطب النبوي لإبن القيم



وَأَمَّا اخْتِيَارُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ لِلْحِجَامَةِ، فَقَالَ الخلال في «جامعه» : أخبرنا حرب ابن إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: قُلْتُ لأحمد تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَيَّامِ؟ قَالَ: قَدْ جَاءَ فِي الْأَرْبِعَاءِ وَالسَّبْتِ.
وَفِيهِ: عَنِ الحسين بن حسان، أَنَّهُ سَأَلَ أبا عبد الله عَنِ الْحِجَامَةِ: أَيَّ يَوْمٍ تُكْرَهُ؟ فَقَالَ: فِي يَوْمِ السَّبْتِ، وَيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، وَيَقُولُونَ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
وَرَوَى الْخَلَّالُ، عَنْ أبي سلمة وأبي سعيد المقبري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:
«مَنِ احْتَجَمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَصَابَهُ بَيَاضٌ أَوْ بَرَصٌ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ»  .
وَقَالَ الخلال: أَخْبَرَنَا محمد بن علي بن جعفر، أَنَّ يعقوب بن بختان حدثهم، فال: سُئِلَ أحمد عَنِ النَّوْرَةِ وَالْحِجَامَةِ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ؟ فَكَرِهَهَا. وَقَالَ:
بَلَغَنِي عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ تَنَوَّرَ وَاحْتَجَمَ يَعْنِي يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، فَأَصَابَهُ الْبَرَصُ. قُلْتُ لَهُ:
كَأَنَّهُ تَهَاوَنَ بِالْحَدِيثِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَفِي كِتَابِ «الْأَفْرَادِ» لِلدَّارَقُطْنِيِّ، مِنْ حَدِيثِ نافع قَالَ: قَالَ لِي عبد الله بن عمر: تَبَيَّغَ بِي الدَّمُ  ، فَابْغِ لِي حَجَّامًا، وَلَا يَكُنْ صَبِيًّا وَلَا شَيْخًا كَبِيرًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْحِجَامَةُ تَزِيدُ الْحَافِظَ حِفْظًا، وَالْعَاقِلَ عَقْلًا، فَاحْتَجِمُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَحْتَجِمُوا الْخَمِيسَ، وَالْجُمُعَةَ، وَالسَّبْتَ، وَالْأَحَدَ، وَاحْتَجِمُوا الِاثْنَيْنِ، وَمَا كَانَ مِنْ جُذَامٍ وَلَا بَرَصٍ، إِلَّا نَزَلَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ» .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ زياد بن يحيى وَقَدْ رَوَاهُ أيوب عَنْ نافع، وَقَالَ فِيهِ:
«وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ، وَلَا تَحْتَجِمُوا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ.
وَقَدْ رَوَى أبو داود فِي «سُنَنِهِ» مِنْ حَدِيثِ أبي بكرة، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْحِجَامَةَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ يَوْمُ الدُّمِ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يرقأ فيها الدّم» 

وَفِي ضِمْنِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ اسْتِحْبَابُ التَّدَاوِي، وَاسْتِحْبَابُ الْحِجَامَةِ، وَأَنَّهَا تَكُونُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَالُ، وَجَوَازُ احْتِجَامِ الْمُحْرِمِ، وَإِنْ آلَ إِلَى قَطْعِ شَيْءٍ مِنَ الشَّعْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ نَظَرٌ، وَلَا يَقْوَى الْوُجُوبُ، وَجَوَازُ احْتِجَامِ الصَّائِمِ، فَإِنَّ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ»  . وَلَكِنْ هَلْ يُفْطِرُ بِذَلِكَ، أَمْ لَا؟ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، الصَّوَابُ: الْفِطْرُ بِالْحِجَامَةِ، لِصِحَّتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ، وَأَصَحُّ مَا يُعَارَضُ بِهِ حَدِيثُ حِجَامَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ؛ وَلَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْفِطْرِ إلا بعد أربعة أموره أَحَدُهَا: أَنَّ الصَّوْمَ كَانَ فَرْضًا. الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ مُقِيمًا. الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ مَرَضٌ احْتَاجَ مَعَهُ إِلَى الْحِجَامَةِ. الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ قَوْلِهِ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ»  .
فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتُ الْأَرْبَعُ، أَمْكَنَ الِاسْتِدْلَالُ بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَقَاءِ الصَّوْمِ مَعَ الْحِجَامَةِ، وَإِلَّا فَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ نَفْلًا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِالْحِجَامَةِ وَغَيْرِهَا، أَوْ مِنْ رَمَضَانَ لَكِنَّهُ فِي السَّفَرِ، أَوْ مِنْ رَمَضَانَ فِي الْحَضَرِ، لَكِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا كَمَا تَدْعُو حَاجَةُ مَنْ بِهِ مَرَضٌ إِلَى الْفِطْرِ، أَوْ يَكُونُ فَرْضًا مِنْ رَمَضَانَ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَيْهَا، لَكِنَّهُ مُبْقًى عَلَى الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ، نَاقِلٌ وَمُتَأَخِّرٌ، فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ الْأَرْبَعِ، فَكَيْفَ بِإِثْبَاتِهَا كُلِّهَا.
وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِئْجَارِ الطَّبِيبِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ إِجَارَةٍ، بَلْ يُعْطِيهِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، أَوْ مَا يُرْضِيهِ.
وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّكَسُّبِ بِصِنَاعَةِ الْحِجَامَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَطِيبُ لِلْحُرِّ أَكْلُ أُجْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ أَجْرَهُ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ أَكْلِهِ، وَتَسْمِيَتُهُ إِيَّاهُ خَبِيثًا كَتَسْمِيَتِهِ لِلثَّوْمِ وَالْبَصَلِ خَبِيثَيْنِ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ تحريمهما.


وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ضَرْبِ الرَّجُلِ الْخَرَاجَ عَلَى عَبْدِهِ كُلَّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا بِقَدْرِ طَاقَتِهِ، وَأَنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا زَادَ عَلَى خَرَاجِهِ، وَلَوْ مُنِعَ مِنَ التَّصَرُّفِ، لَكَانَ كَسْبُهُ كُلُّهُ خَرَاجًا وَلَمْ يَكُنْ لِتَقْدِيرِهِ فَائِدَةٌ، بَلْ مَا زَادَ عَلَى خَرَاجِهِ، فَهُوَ تَمْلِيكٌ من سيده له بتصرف فيه كما أراد، والله أعلم.


















الأربعاء، 5 أكتوبر 2022

فصل فِي هَدْيِهِ فِي أَوْقَاتِ الْحِجَامَةِ الطب النبوي لإبن القيم

 فصل فِي هَدْيِهِ فِي أَوْقَاتِ الْحِجَامَةِ

فصل فِي هَدْيِهِ فِي أَوْقَاتِ الْحِجَامَةِ  الطب النبوي لإبن القيم


رَوَى الترمذي فِي «جَامِعِهِ» : مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ: «إنّ خير ما تحتجمون فيه يَوْمِ سَابِعَ عَشْرَةَ، أَوْ تَاسِعَ عَشْرَةَ، وَيَوْمِ إحدى وعشرين .



وَفِيهِ عَنْ أنس كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ فِي الْأَخْدَعَيْنِ وَالْكَاهِلِ، وَكَانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَةَ عَشَرَ، وَتِسْعَةَ عَشَرَ، وَفِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ  .

وَفِي «سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ» عَنْ أنس مَرْفُوعًا: «مَنْ أَرَادَ الْحِجَامَةَ فَلْيَتَحَرَّ سَبْعَةَ عَشَرَ، أَوْ تِسْعَةَ عَشَرَ، أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، لَا يَتَبَيَّغْ بِأَحَدِكُمُ الدَّمُ فَيَقْتُلَهُ» .

وَفِي «سُنَنِ أبي داود» مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ، أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ، أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، كَانَتْ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ  وَهَذَا مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ سَبَبُهُ غَلَبَةُ الدَّمِ.

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُوَافِقَةٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَطِبَّاءُ، أَنَّ الْحِجَامَةَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي، وَمَا يَلِيهِ مِنَ الرُّبُعِ الثَّالِثِ مِنْ أَرْبَاعِهِ أَنْفَعُ مِنْ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَإِذَا اسْتُعْمِلَتْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا نَفَعَتْ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِهِ.

قَالَ الخلال: أَخْبَرَنِي عصمة بن عصام، قَالَ حَدَّثَنَا حنبل، قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَحْتَجِمُ أَيَّ وَقْتٍ هَاجَ بِهِ الدَّمُ، وَأَيَّ سَاعَةٍ كَانَتْ.

وَقَالَ صَاحِبُ «الْقَانُونِ» : أَوْقَاتُهَا فِي النَّهَارِ: السَّاعَةُ الثَّانِيَةُ أَوِ الثَّالِثَةُ، وَيَجِبُ تَوَقِّيهَا بَعْدَ الْحَمَّامِ إِلَّا فِيمَنْ دَمُهُ غَلِيظٌ، فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَحِمَّ، ثُمَّ يَسْتَجِمَّ سَاعَةً، ثُمَّ يَحْتَجِمَ، انْتَهَى.

وَتُكْرَهُ عِنْدَهُمُ الْحِجَامَةُ عَلَى الشِّبَعِ فَإِنِّهَا رُبَّمَا أَوْرَثَتْ سَدَدًا وَأَمْرَاضًا رَدِيئَةً، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْغِذَاءُ رَدِيئًا غَلِيظًا. وَفِي أَثَرٍ الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ دَوَاءٌ، وَعَلَى الشِّبَعِ دَاءٌ، وَفِي سَبْعَةَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ شِفَاءٌ» .

وَاخْتِيَارُ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِلْحِجَامَةِ، فِيمَا إِذَا كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْأَذَى، وَحِفْظًا لِلصِّحَّةِ. وَأَمَّا فِي مُدَاوَاةِ الْأَمْرَاضِ، فَحَيْثُمَا وُجِدَ الِاحْتِيَاجُ إِلَيْهَا وَجَبَ اسْتِعْمَالُهَا. وَفِي قَوْلِهِ: «لَا يَتَبَيَّغْ بِأَحَدِكُمُ الدَّمُ فَيَقْتُلَهُ» ، دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ، يَعْنِي لِئَلَّا يتبيغ، فحذف حرف الجرمع (أَنْ) ، ثُمَّ حُذِفَتْ (أَنْ) . وَالتَّبَيُّغُ: الْهَيْجُ، وَهُوَ مَقْلُوبُ الْبَغْيِ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، فَإِنَّهُ بَغْيُ الدَّمِ وَهَيَجَانُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ كَانَ يحتجم أيّ وقت احتاج من الشهر.




الثلاثاء، 4 أكتوبر 2022

فصل: [في منافع الحجامة تحت الذقن] الطب النبوي لإبن القيم

 فصل: [في منافع الحجامة تحت الذقن]


فصل: [في منافع الحجامة تحت الذقن] الطب النبوي لإبن القيم



وَالْحِجَامَةُ تَحْتَ الذَّقَنِ تَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ وَالْوَجْهِ وَالْحُلْقُومِ، إِذَا اسْتُعْمِلَتْ فِي وَقْتِهَا، وَتُنَقِّي انرأس وَالْفَكَّيْنِ، وَالْحِجَامَةُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ تَنُوبُ عَنْ فَصْدِ الصَّافِنِ، وَهُوَ عِرْقٌ عَظِيمٌ عِنْدَ الْكَعْبِ، وَتَنْفَعُ مِنْ قُرُوحِ الْفَخِذَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ، وَانْقِطَاعِ الطَّمْثِ، وَالْحَكَّةِ الْعَارِضَةِ فِي الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْحِجَامَةُ فِي أَسْفَلِ الصَّدْرِ نَافِعَةٌ مِنْ دَمَامِيلِ الْفَخِذِ، وَجَرَبِهِ وَبُثُورِهِ، وَمِنَ النِّقْرِسِ وَالْبَوَاسِيرِ، وَالْفِيلِ وَحَكَّةِ الظَّهْرِ.




الأحد، 2 أكتوبر 2022

فصل: [في منافع الحجامة] الطب النبوي لإبن القيم

 فصل: [في منافع الحجامة]


فصل: [في منافع الحجامة] الطب النبوي لإبن القيم


أما منافع الحجامة: فإنها تنفي سَطْحَ الْبَدَنِ أَكْثَرَ مِنَ الْفَصْدِ، وَالْفَصْدُ لِأَعْمَاقِ الْبَدَنِ أَفْضَلُ، وَالْحِجَامَةُ تَسْتَخْرِجُ الدَّمَ مِنْ نَوَاحِي الْجِلْدِ.
قُلْتُ: وَالتَّحْقِيقُ فِي أَمْرِهَا وَأَمْرِ الْفَصْدِ، أَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَالْأَسْنَانِ، وَالْأَمْزِجَةِ، فالبلاد الحارة، والأزمنة الحارة، والأمزجة الحارة


الَّتِي دَمُ أَصْحَابِهَا فِي غَايَةِ النُّضْجِ الْحِجَامَةُ فِيهَا أَنْفَعُ مِنَ الْفَصْدِ بِكَثِيرٍ، فَإِنَّ الدَّمَ يَنْضَجُ وَيَرِقُّ وَيَخْرُجُ إِلَى سَطْحِ الْجَسَدِ الدَّاخِلِ، فَتُخْرِجُ الْحِجَامَةُ مَا لَا يُخْرِجُهُ الْفَصْدُ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ أَنْفَعَ لِلصِّبْيَانِ مِنَ الْفَصْدِ، وَلِمَنْ لَا يَقْوَى عَلَى الْفَصْدِ وَقَدْ نَصَّ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ الْبِلَادَ الْحَارَّةَ الْحِجَامَةُ فِيهَا أَنْفَعُ وَأَفْضَلُ مِنَ الْفَصْدِ، وَتُسْتَحَبُّ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، وَبَعْدَ وَسَطِهِ. وَبِالْجُمْلَةِ، فِي الرُّبُعِ الثَّالِثِ مِنْ أَرْبَاعِ الشَّهْرِ، لِأَنَّ الدَّمَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ قَدْ هَاجَ وَتَبَيَّغَ، وَفِي آخِرِهِ يَكُونُ قَدْ سَكَنَ. وَأَمَّا فِي وَسَطِهِ وَبُعَيْدَهُ، فَيَكُونُ فِي نِهَايَةِ التَّزَيُّدِ.
قَالَ صَاحِبُ الْقَانُونِ: وَيُؤْمَرُ بِاسْتِعْمَالِ الْحِجَامَةِ لَا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، لِأَنَّ الْأَخْلَاطَ لَا تَكُونُ قَدْ تَحَرَّكَتْ وَهَاجَتْ، وَلَا فِي آخِرِهِ لِأَنَّهَا تَكُونُ قَدْ نَقَصَتْ، بَلْ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ حِينَ تَكُونُ الْأَخْلَاطُ هَائِجَةً بَالِغَةً فِي تَزَايُدِهَا لِتَزَيُّدِ النُّورِ فِي جُرْمِ الْقَمَرِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْفَصْدُ»  . وَفِي حَدِيثٍ: «خَيْرُ الدَّوَاءِ الْحِجَامَةُ وَالْفَصْدُ» . انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ» إِشَارَةٌ إِلَى أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْبِلَادِ الْحَارَّةِ، لِأَنَّ دِمَاءَهُمْ رَقِيقَةٌ، وَهِيَ أَمْيَلُ إِلَى ظَاهِرِ أَبْدَانِهِمْ لِجَذْبِ الْحَرَارَةِ الْخَارِجَةِ لَهَا إِلَى سَطْحِ الْجَسَدِ، وَاجْتِمَاعِهَا فِي نَوَاحِي الْجِلْدِ، وَلِأَنَّ مَسَامَّ أَبْدَانِهِمْ وَاسِعَةٌ، وَقُوَاهُمْ مُتَخَلْخِلَةٌ، فَفِي الْفَصْدِ لَهُمْ خَطَرٌ، وَالْحِجَامَةُ تَفَرُّقٌ اتِّصَالِيٌّ إِرَادِيٌّ يَتْبَعُهُ اسْتِفْرَاغٌ كُلِّيٌّ مِنَ الْعُرُوقِ وَخَاصَّةً الْعُرُوقَ الَّتِي لَا تُفْصَدُ كَثِيرًا وَلِفَصْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَفْعٌ خَاصٌّ، فَفَصْدُ الْبَاسَلِيقِ: يَنْفَعُ مِنْ حَرَارَةِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْأَوْرَامِ الْكَائِنَةِ فِيهِمَا مِنَ الدَّمِ، وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْرَامِ الرِّئَةِ، وَيَنْفَعُ مِنَ الشُّوصَةِ  وَذَاتِ الْجَنْبِ وَجَمِيعِ الْأَمْرَاضِ الدَّمَوِيَّةِ الْعَارِضَةِ مِنْ أَسْفَلِ الرُّكْبَةِ إِلَى الْوَرِكِ.
وَفَصْدُ الْأَكْحَلِ: يَنْفَعُ مِنَ الِامْتِلَاءِ الْعَارِضِ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ إِذَا كَانَ دَمَوِيًّا، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الدَّمُ قَدْ فَسَدَ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ.
وَفَصْدُ الْقِيفَالِ:  يَنْفَعُ مِنَ الْعِلَلِ الْعَارِضَةِ فِي الرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ مِنْ كَثْرَةِ الدَّمِ أو فساده.


وَفَصْدُ الْوَدَجَيْنِ: يَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الطِّحَالِ، وَالرَّبْوِ، وَالْبَهَرِ، وَوَجَعِ الْجَبِينِ:
وَالْحِجَامَةُ عَلَى الْكَاهِلِ: تَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الْمَنْكِبِ وَالْحَلْقِ.
وَالْحِجَامَةُ عَلَى الْأَخْدَعَيْنِ، تَنْفَعُ مِنْ أَمْرَاضِ الرَّأْسِ، وَأَجْزَائِهِ، كَالْوَجْهِ، وَالْأَسْنَانِ، وَالْأُذُنَيْنِ، وَالْعَيْنَيْنِ، وَالْأَنْفِ، وَالْحَلْقِ إِذَا كَانَ حُدُوثُ ذَلِكَ عَنْ كَثْرَةِ الدَّمِ أَوْ فَسَادِهِ، أَوْ عَنْهُمَا جَمِيعًا. قَالَ أنس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ فِي الْأَخْدَعَيْنِ وَالْكَاهِلِ  .
وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتحم ثَلَاثًا: وَاحِدَةً عَلَى كَاهِلِهِ، وَاثْنَتَيْنِ عَلَى الْأَخْدَعَيْنِ 
وَفِي الصَّحِيحِ: عَنْهُ، أَنَّهُ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ لِصُدَاعٍ كَانَ بِهِ  .
وَفِي «سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ» عَنْ علي، نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِجَامَةِ الْأَخْدَعَيْنِ وَالْكَاهِلِ  .
وَفِي «سُنَنِ أبي داود» مِنْ حَدِيثِ جابر، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «احْتَجَمَ فِي وَرِكِهِ مِنْ وَثْءٍ كَانَ بِهِ»  .
فَصْلٌ
وَاخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي الْحِجَامَةِ عَلَى نُقْرَةِ الْقَفَا، وَهِيَ الْقَمَحْدُوَةُ.
وَذَكَرَ أبو نعيم فِي كِتَابِ الطِّبِّ النَّبَوِيِّ حَدِيثًا مَرْفُوعًا «عَلَيْكُمْ بِالْحِجَامَةِ في جوزة


الْقَمَحْدُوَةِ، فَإِنَّهَا تَشْفِي مِنْ خَمْسَةِ أَدْوَاءٍ» ، ذَكَرَ مِنْهَا الْجُذَامَ  .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «عَلَيْكُمْ بِالْحِجَامَةِ فِي جَوْزَةِ الْقَمَحْدُوَةِ، فَإِنَّهَا شِفَاءٌ مِنَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ دَاءً» .
فَطَائِفَةٌ مِنْهُمُ اسْتَحْسَنَتْهُ وَقَالَتْ: إِنَّهَا تَنْفَعُ مِنْ جَحْظِ الْعَيْنِ، وَالنُّتُوءِ الْعَارِضِ فِيهَا، وَكَثِيرٍ مِنْ أَمْرَاضِهَا، وَمِنْ ثِقَلِ الْحَاجِبَيْنِ وَالْجَفْنِ، وَتَنْفَعُ مِنْ جَرَبِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ احْتَاجَ إِلَيْهَا، فَاحْتَجَمَ فِي جَانِبَيْ قَفَاهُ، وَلَمْ يَحْتَجِمْ فِي النُّقْرَةِ، وَمِمَّنْ كَرِهَهَا صَاحِبُ «الْقَانُونِ» وَقَالَ: إِنَّهَا تُورِثُ النِّسْيَانَ حَقًّا، كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا وَصَاحِبُ شَرِيعَتِنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ مُؤَخَّرَ الدِّمَاغِ مَوْضِعُ الْحِفْظِ، وَالْحِجَامَةُ تُذْهِبُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَرَدَّ عَلَيْهِ آخَرُونَ، وَقَالُوا: الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ، وَإِنْ ثَبَتَ فَالْحِجَامَةُ إِنَّمَا تُضْعِفُ مُؤَخَّرِ الدِّمَاغِ إِذَا اسْتُعْمِلَتْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَأَمَّا إِذَا اسْتُعْمِلَتْ لِغَلَبَةِ الدَّمِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا نَافِعَةٌ لَهُ طِبًّا وَشَرْعًا، فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ احْتَجَمَ فِي عِدَّةِ أَمَاكِنَ مِنْ قَفَاهُ بِحَسْبِ مَا اقْتَضَاهُ الْحَالُ فِي ذَلِكَ، وَاحْتَجَمَ 
فِي غَيْرِ الْقَفَا بِحَسْبِ مَا دَعَتْ إِلَيْهِ حاجته.












السبت، 1 أكتوبر 2022

فصل في الحجامة الطب النبوي لإبن القيم

 فصل: [في الحجامة]

فصل في الحجامة الطب النبوي لإبن القيم


وَأَمَّا الْحِجَامَةُ، فَفِي «سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ» مِنْ حَدِيثِ جُبَارَةَ بْنِ الْمُغَلِّسِ، - وَهُوَ ضَعِيفٌ- عَنْ كثير بن سليم، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مَرَرْتُ لَيْلَةً أُسْرِيَ بِي بِمَلَإٍ إِلَّا قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ! مُرْ أُمَّتَكَ بِالْحِجَامَةِ».




وفي «الصحيحين» : من حديث طاووس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ» .


وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَيْضًا، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَجَمَهُ أبو طيبة، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ، فَخَفَّفُوا عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ، وَقَالَ: «خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ».




وَفِي «جَامِعِ الترمذي» عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عكرمة يَقُولُ: كَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ غِلْمَةٌ ثَلَاثَةٌ حَجَّامُونَ، فَكَانَ اثْنَانِ يُغَلَّانِ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَهْلِهِ، وَوَاحِدٌ لِحَجْمِهِ، وَحَجْمِ أَهْلِهِ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الْعَبْدُ الْحَجَّامُ يَذْهَبُ بِالدَّمِ، وَيُخِفُّ الصُّلْبَ، وَيَجْلُو الْبَصَرَ» ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ عُرِجَ به، ما مرّ على ملاء مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: «عَلَيْكَ بِالْحِجَامَةِ» ، وَقَالَ: «إِنَّ خَيْرَ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ يَوْمَ سَبْعَ عشرة، ويوم تسع عَشْرَةَ، وَيَوْمَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَيَوْمَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَالَ: «إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ السُّعُوطُ وَاللُّدُودُ وَالْحِجَامَةُ وَالْمَشْيُ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُدَّ فَقَالَ: «مَنْ لَدَّنِي» ؟ فَكُلُّهُمْ أَمْسَكُوا، فَقَالَ: «لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلَّا لُدَّ إِلَّا الْعَبَّاسَ» . قَالَ: هَذَا حديث غريب، ورواه ابن ماجه» .