الخميس، 8 ديسمبر 2022

التغذية العلاجية عبر التاريخ

 التغذية العلاجية عبر التاريخ




التغذية العلاجية عبر التاريخ


 تعريف التغذية العلاجية

 التغذية العلاجية منهج علمي يهدف إلى علاج الأمراض والأعراض المتصلة بها عن طريق اتباع نظام غذائي معين يضعه أخصائي التغذية ، ويرتكز هذا النظام الغذائي على التاريخ الطبي والنفسي والاجتماعي للمريض ، علاوة على الفحوص الطبية وتاريخ النظام الغذائي للمريض . 

ويتمثل دور العلاج بالتغذية العلاجية في الوقاية من الأمراض وتحسين نمط الحياة ، وفي تقليل تطور المضاعفات المرضية في حالات ما قبل الإصابة بالمرض مثل السكري ، وكذلك في تخفيف آثار الأمراض الموجودة مثل ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم ، وهناك العديد من الحالات المرضية التي تعالج باتباع نظام غذائي صحي وحالات أخرى تسوء باتباع نظام غذائي غير مناسب . 
تاريخ التغذية العلاجية : 

التغذية العلاجية علم قديم نجد آثاره في الحضارات القديمة ، كالحضارة اليونانية حيث كان الغذاء يصنف بطريقة علمية تقترب من تناول الدواء " وكان أبقراط يرفع شعاره الشهير : " ليكن غذاؤك دواؤك " . وذكر ابن القيم أن الروم واليونانيين قدياً متفقون على أن الطبيب الماهر هو الذي يعالج بالغذاء .. 

 وفي الطب الصيني يعتبر تناول الطعام الصحي أمراً مركزياً في الوقاية من الأمراض ، حيث يتوازن الطعام حسب نظرية " الين واليانغ " وقانون العناصر الخمسة ، ويعتبر مذاق الغذاء مؤشراً شفائياً حيث تتكون الوجبة الغذائية من مختلف المذاقات التي تضفي عليها اللذة الغذائية وصفة الدواء الموازن بين أعضاء الجسم . 

وفي الطب النبوي نجد عدة آيات قرآنية تتحدث عن أنواع الأطعمة المختلفة ؛ وعن الطرق الصحيحة والمثالية في التغذية كالبدء بالفاكهة أولاً قبل تناول اللحم قال تعالى : « وفكهة مما يتخيّرون - ولحم طير مما يشتهون  ، وتقديم الأكل وتأخير الشرب في قوله تعالى : « كلوا واشربوا من رزق الله )  ، وهناك عدة أحاديث شريفة توضح طرق الأكل وكميته وقوانينه وكيفية إحداث التوازن الكيميائي والطبيعي في الوجبة الغذائية .

 وقال ابن القيم أن الأطباء متفقون على أن العلاج يتم بالأغذية أولاً قبل الانتقال إلى الدواء البسيط أو المفرد ثم المركب .  وفي عصور النهضة يعتبر الطبيب الإيطالي سانتوريو santorio هو أول من أدخل التغذية في مجال البحث العلمي . عبر سلسلة من التجارب الطويلة التي راقب فيها وزنه وهو في كرسي يتدلى من ميزان قبل وبعد الأكل وأثناء النوم والعمل والصيام والتعرق ، وكان يقوم بوزن الغذاء والشراب ويقارنه بوزن البراز والبول ، وقد وجد أن الجزء الأعظم من الطعام الذي تناوله فقد من الجسم عن طريق التعرق غير المحسوس ، وقد نشر هذه التجارب عام 1914 م في كتابه Ars Statica Medecina الذي كان سبباً في شهرته في أوروبا . ثم ظهر بعده الدكتور الانجليزي جيمس ليند ( 1716 م – 1794 م ) الذي نجح في علاج داء الاسقربوط القاتل آنذاك حيث كان يصيب البحارة بنزيف اللثة ، ثم الهذيان والآلام المفصلية قبل أن ينتهي بالموت ، وكان العلاج العجيب المستخدم في القضاء على هذا المرض هو " عصير الليمون " .. وبناء على هذه التجربة السريرية نشر مقالاً عام 1747 م ذكر فيه أن بعض الأغذية تحتوي على مواد تمنع ظهور المرض وتقي منه لكن العلم في تلك الأيام لم يمكنه من تحديدها .. واليوم تعلم أن الاسقربوط مرض بسيط سببه نقص في فيتامين C وفي نفس الفترة كذلك ظهر الطبيب الفرنسي لافوازيي Lavoisier الذي يعتبر أول من وضع المعارف الفيزيولوجية الأولى للأكسدة الكيماوية حيث درس العلاقة بين الغذاء المأكول وضياع حرارة الجسم وكمية الأكسجين المستنشق وكمية غاز الكربون بالزفير ، واستنتج أن كمية الحرارة التي ينتجها الجسم تأتي نتيجة لحرقه للأغذية مشابه لاحتراق الأغذية خارج البدن واستنتج من تجاربه أن الضياع غير المحسوس من الغذاء ينجم عن ضياع ثاني أكسيد الكربون وليس عن التعرق غير المحسوس كا ذهب إلى ذلك سانتوريو ، وبذلك وضع الأسس الأولى لعلم التغذية المعاصر . وفي أواخر القرن التاسع عشر حضر العلماء حليباً في المختبر مكون من ماءات الكربون والبروتينات والدسم وقاموا بتغذية جراء أحد حيوانات المختبر ، قسمت الجراء لمجموعتين الأولى رضعت من أمها والثانية أعطيت الحليب المصنع ، وكانت نتيجة هذه التجربة موت جميع جراء المجمو عة الثانية في حين تابعت جراء المجموعة الأولى نموها بشكل طبيعي ، هذه النتيجة نبهت الباحثين لوجود عناصر غذائية تمنع ظهور المرض وتمكن البدن من الاستفادة من المكونات الثلاث التي يعرفها الباحثون ، وهذا ما نشره العالمان فانك ( 1884 م -1967 م ) وهوبكنز ( 1861 م -1967 م ) في مقالة لها عام 1912 م حيث قالا أن هناك عناصر يجب إضافتها للوجبات الغذائية لأنها تمنع الأمراض العوزية وتعالجها ، وهذه العناصر سياها فانك بالفيتامينات وساها هوبكنز بالعناصر الأساسية . وفي بداية القرن العشرين بدأ الحديث عن هذه العناصر القليلة في الغذاء التي تلعب دوراً مهاً في علاج الأمراض العوزية والوقاية منها .

تطور علم التغذية الحديث من دراسة مكونات الغذاء ثم الأكسدة إلى دراسة حاجات الجسم للعناصر الغذائية ودراسة الأمراض العوزية وكيفية الوقاية منها وعلاجها مع ظهور مفهوم العناصر الأساسية في الغذاء في بداية القرن العشرين . والآن انتقل علم التغذية ليدرس علاقة الغذاء بالأمراض المزمنة وأصبحت التغذية العلاجية ركناً أساسياً في علاج هذه الأمراض والوقاية منها.



0 التعليقات:

إرسال تعليق