Mont thor

Mont thor

Montagne de lumière

Montagne de lumière

Sun Montain

Sun Montain

Gin Montain

Gin Montain

Montagne Moise

Montagne Moise

السبت، 21 يناير 2023

معنى أشراط الساعة وعلاماتها وأدلتها من الكتاب والسنة - علامات الساعة

 معنى أشراط الساعة وعلاماتها وأدلتها من الكتاب والسنة  

معنى أشراط الساعة وعلاماتها وأدلتها من الكتاب والسنة  - علامات الساعة



معنى الأشراط والعلامات لغة 

الأشراط جمع شرط بالتحريك، والشرط العلامة، وأشراط الساعة أي علاماتها، وأشراط الشيء أوائله، ومنه شرط السلطان وهم نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من مجموع جنده.
قال الجوهري  أشراط الساعة علاماتها وأسبابها التي دون معظمها وقيامها .
وقال ابن الأثير الأشراط: العلامات، واحدها شرط بالتحريك، وبه سميت شرط السلطان؛ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها  .
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد: ١٨]  .
" أشراطها أي أماراتها وعلاماتها، وقيل: أشراط الساعة أسبابها التي هي دون معظمها، وفيه يقال للدون من الناس الشرط. . . إلى أن قال: وواحد الأشراط شرط، وأصله الأعلام، ومنه قيل الشرط؛ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها، ومنه الشرط في البيع وغيره .


فتبين من هذا أن الأشراط في اللغة هي علامات الشيء المتقدمة عليه والدالة عليه، ومما يدل على تسمية هذه الأشراط في السنة بالعلامات ما جاء في حديث جبريل المشهور عند النسائي، قال: «يا محمد، أخبرني متى الساعة، قال: فنكس، فلم يجبه شيئا ثم أعاد فلم يجبه شيئا ثم أعاد فلم يجبه شيئا ورفع رأسه فقال: " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن لها علامات تعرف بها. . .» الحديث 


والساعة: هي جزء من أجزاء الليل أو النهار وجمعها ساعات وساع  .
والساعة: الوقت الذي تقوم فيه القيامة، وقد سميت بذلك لسرعة الحساب فيها، أو لأنها تفاجئ الناس في ساعة فيموت الخلق كلهم بصيحة واحدة  .
قال ابن منظور في لسان العرب: " وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: ٥٥]  يعني بالساعة: الوقت الذي تقوم فيه القيامة، فلذلك ترك أن يعرف أي ساعة هي، فإن سميت القيامة ساعة فعلى هذا، والساعة القيامة ".
وقال الزجاج  الساعة اسم للوقت الذي تصعق فيه العباد، والوقت الذي يبعثون فيه وتقوم فيه القيامة. سميت ساعة لأنها تفاجئ الناس في ساعة فيموت الخلق كلهم عند الصيحة الأولى. . . والساعة في الأصل تطلق بمعنيين: أحدهما: أن تكون عبارة عن جزء من أربعة وعشرين جزءا هي مجموع اليوم والليلة.
والثاني: أن تكون عبارة عن جزء قليل من النهار أو الليل.
قال الزجاج: معنى الساعة في كل القرآن الوقت الذي تقوم فيه القيامة، يريد أنها ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم فلقلة الوقت الذي تقوم فيه سماها ساعة .


معنى الأشراط والعلامات اصطلاحا

هي العلامات التي تسبق يوم القيامة وتدل على قدومها.
يقول الحليمي  أما انتهاء الحياة الأولى فإن لها مقدمات تسمى أشراط الساعة وهي أعلامها  .
ويقول البيهقي  في تحديد المراد من الأشراط: " أي ما يتقدمها من العلامات الدالة على قرب حينها  .
ويقول الحافظ ابن حجر المراد بالأشراط: " العلامات التي يعقبها قيام الساعة  .


 الأدلة من الكتاب على أشراط الساعة وعلاماتها

موعد قيام الساعة من الغيب الذي استأثر الله عز وجل بعلمه، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: ١٨٧] .
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أخفى الساعة عن الخلق، فقد جعل لها عز وجل علامات تدل على قرب وقوعها، ومن الآيات الدالة على ذكر الأشراط قوله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: ١٨]  .
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره عند هذه الآية: " فقد جاء أشراطها أي أمارات اقترابها كقوله تعالى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى - أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} [النجم: ٥٦ - ٥٧]  وكقوله جلت عظمته: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: ١]  وكقوله سبحانه وتعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: ١]  وقوله جل وعلا: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: ١]  فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة؛ لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله تعالى به الدين وأقام به الحجة على العالمين، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة وأشراطها، وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله. . . "  .
وقد ورد في القرآن الكريم ذكر الأدلة على بعض أشراط الساعة مثل: خروج يأجوج ومأجوج، ونزول عيسى ابن مريم، وغيرها، وسيأتي ذكر هذه الأدلة في موضعها عند ذكر هذه الأشراط مفصلة في المباحث القادمة إن شاء الله تعالى.


 الأدلة من السنة على أشراط الساعة وعلاماتها

 وردت أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ذكر جملة من أشراط الساعة وعلاماتها، ومن ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، المشهور بحديث جبريل، حيث سئل فيه صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان ووقت الساعة، وفيه قال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «. . . فأخبرني عن الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها؟ ، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان»  .
ومنها حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة أدم فقال: " اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان  يأخذ فيكم كقعاص الغنم  ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر  فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية  تحت كل غاية اثنا عشر ألفا»  .


ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» .
ومنها حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: «طلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: " ما تذاكرون "؟ قالوا: نذكر الساعة، قال: " إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ". فذكر الدخان والدجال والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم»  إلى غير ذلك من الأحاديث، وهي كثيرة جدا.
وهذه العلامات منها ما هو قريب من قيام الساعة، وهو ما يسمى بعلامات الساعة الكبرى، مثل: نزول عيسى عليه السلام، وخروج الدجال، وطلوع الشمس من مغربها وغيرها، ومنها ما يكون قبل ذلك وهو ما يسمى بعلامات الساعة الصغرى.
وهذه الأشراط والعلامات الواردة في الأحاديث السابقة وغيرها مما لم يرد سيأتي تفصيلها والكلام عليها وتوضيحها فيما يأتي ـ إن شاء الله تعالى.

الكتاب: أشراط الساعة
المؤلف: عبد الله بن سليمان الغفيلي




وليس الذكر كالأنثى - الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

 وليس الذكر كالأنثى

وليس الذكر كالأنثى - الإعجاز العلمي في القرآن والسنة



قال ربُّنا سبحانه وتعالى في قصّةِ السيدةِ مريمَ: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أنثى والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذكر كالأنثى} [آل عمران: ٣٦] .
يتَّفقُ علماءُ المسلمين على أنّ المرأةَ كالرجلِ تماماً في التكليفِ، والتشريفِ، والمسؤولية، ولكنّ المرأةَ ليستْ كالرجلِ في أشياءَ أخرى، إذْ لها خصائصُ في بنيتها الجسميةِ، ولها خصائصُ في بنيتها النفسيةِ، ولها خصائصُ في بنيتها الاجتماعيةِ، ولها خصائصُ في قوّةِ إدراكِها، وفي طبيعةِ إدراكِها، فالذي عنده أولاد ذكور أو إناث، لو تتبَّعَ حركاتِهم، وألعابَهم، وأنماطَ تعلقاتِهم لرأى ذلك الاختلافَ، فالبنتُ الصغيرةُ، وهي في سنٍّ مبكرةٍ لها اهتماماتٌ، وميولٌ، وتطلعاتٌ ليست كالتي عند أخيها الصغيرِ، مع أنّ علاماتِ الذكورةِ والأنوثةِ لم تظهرْ بعدُ.
إنّ علماءَ النفسِ، ولا سيما علماءِ نفسِ الطفولةِ والمراهقةِ يقرِّرون أنّ الأنثى لها خصائصُ غيرُ الخصائصِ البيولوجيةِ الماديةِ، أضِفْ إلى أنّ جسمَ الأنثى، وجسمَ الذَّكَرِ يختلفانِ اختلافاً بيّناً.


أنقلُ لكم رأيَ بعضِ العلماءِ في الفَرْقِ الدقيقِ الماديِّ والجسميِّ بين المرأةِ والرجلِ، يقولُ أحدُ العلماءِ الأطباءِ بَعْدَ دراسةٍ طويلةٍ أثبَتَهَا في كتبٍ معتمدةٍ: "إنّ قامةَ المرأةِ في جميعِ الأجناسِ أقصرُ مِن قامةِ الرجلِ، بل إنّ معدَّلَ الفرقِ عند تمامِ النموِّ عشرةُ سنتيمترات، وكذلك الوزنُ؛ فهيكلُ المرأةِ العظميُّ أَخَفُّ مِن هيكلِ الرجلِ العظميِّ، وتركيبُ هيكلِها يجعلُها أقلَّ قدرةً على الحركةِ والانتقالِ، وعضلاتُها أضعفُ مِن عضلاتِ الرجلِ بمقدارِ الثلثِ، لكنَّها تفضُلُه بنسيجِها الخَلَوِيِّ الذي يحتوي على كثيرٍ من الأوعيةِ الدمويةِ، والأعصابِ الحسّاسةِ، ونسيجُها الخلويُّ يسمحُ لها باختزانِ طبقةٍ دهنيةٍ، وبفضلِ هذه الطبقةِ الدهنيةِ تكونُ استدارةُ الشكل".
إنَّ مُخَّ الرجلِ يزيدُ على مخِّ المرأةِ بمئةِ غرامٍ، ونسبةُ مخِّ الرجلِ إلى جسمِه واحدٌ مِن أربعين، وأمّا نسبةُ مخِّ المرأةِ إلى جسمِها فهي واحدٌ مِن أربعةِ وأربعين، مخُّها أَقَلُّ ثَنياتٍ، وتلافيفُها أقلُّ نظاماً، أمّا القسمُ السنجابيُّ (القسمُ الإدراكيُّ في المخِّ) فهو أقلُّ مساحةً، لكنَّ مراكزَ الأحساسِ، والإثارةِ، والتهيجِ أشدُّ فاعليةً بكثيرٍ من مراكزِ الرجلِ، وصدرُ المرأةِ، ورئتَاها أقلُّ سَعَةً مِن صدرِ الرجلِ ورئَتَيْهِ، لكنَّ تنفّسَها أسرعُ من تنفُّسِه، وقلبُها أصغرُ من قلبِه، لكنّ نبْضَها أسرعُ مِن نبضِه.
هذه الفروقُ الدقيقةُ من حيث القلبُ، والتنفسُ، ومراكزُ الإحساسِ، والدماغُ، ومن حيث الهيكلُ العظميُّ، ومن حيثُ القامةُ، ومن حيثُ الوزنُ، تبيِّن أن هناك خَلْقاً محكَماً مِن لَدُنْ حكيمٍ عليمٍ، هذا التكوينُ هو الذي يجعلُ المرأةَ مُحبَّبةً إلى الرجلِ، وقد جعلَها اللهُ سَكَناً، قال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: ٢١] .


الكتاب: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
المؤلف: محمد راتب النابلسي





الثلاثاء، 17 يناير 2023

مراتب الغذاء - التغذية العلاجية في الطب النبوي

 مراتب الغذاء

مراتب الغذاء -



 للغذاء ثلاثة مراتب وهي : مرتبة الحاجة ، ومرتبة الكفاية ، والثالثة مرتبة الفضيلة . وقد أخبرنا النبي ﷺ أن الشخص تكفيه لقيمات يقمن صلبه ، وتحفظ قوته من الضعف ، وإن تجاوز هذه المرتبة الفضلى فليأكل ما يملأ ثلث معدته فقط ، وليدع ثلثين الأول للماء والثاني للهواء .. وهذا هو قانون الأكل المثالي الذي يحفظ صحة البدن والقلب . فإن المعدة المتخمة بالأكل لن تجد فيها مكاناً للماء ، فإذا أضيف لها الماء لم يبقى للهواء مكان فيشعر صاحبها بالضيق والكرب والتعب والكسل مما ينتج عنه فساد القلب والمزاج والخمول والفتور عن العمل والعبادة ، إذن فإن امتلاء المعدة بالطعام مضر للقلب والبدن ويحمل تبعات سلبية للروح والجسد والنفس ، إذا كان دائماً أو أكثرياً كما هو حال أغلب الناس في هذا الزمان . أما إذا كان في بعض الأحيان كالمناسبات والأعياد فلا يضر إن شاء الله ، فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبي من اللبن حتى قال : والذي بعثك بالحق ، ما أجد له مسلكا وأكل الصحابة بحضرته مراراً حتى شبعوا .

ويخلص ابن القيم إلى أن الشبع المفرط الدائم يضعف القوى والبدن حتى وإن أدى إلى خصوبة البدن ، لأن البدن يستفيد ويتقوى بحسب ما يقبله من الطعام وليس بكثرته 

 علاج البدن بما اعتاد عليه من الغذاء والدواء :

 وهذا يعتبره ابن القيم أصلاً عظيماً من أصول العلاج ، بل أنفع شيء فيه الذي إذا أخطأه الطبيب أضر المريض ، وأكثر من ذلك وصف الطبيب الذي يترك هذا الأصل ويبحث عن البديل في كتب الطب بالجاهل ، لأن ملاءمة الغذاء والدواء للجسم يكون بحسب استعداده وقبوله ، فإذا حصل القبول كان الانتفاع لازماً بالتبعية . فهذا أصل عظيم في العلاج بالطب النبوي يجب الاعتناء به ، وقد وافقه جهابذة الطب مثل أبقراط وطبيب العرب الحارث بن كلدة الذي يقول : " الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء وعودوا كل بدن ما اعتاد " . وهذا لأن العادة قوة عظيمة في البدن ولذلك يقال : " العادة طبع ثان " ، فالعادة كالطبيعة للإنسان ، حتى إن أمراً واحداً إذا قيس إلى أبدان مختلفة العادات ، كان مختلف التأثير في كل بدن . وإن كانت تلك الأبدان متفقة في الوجوه الأخرى مثال ذلك أبدان ثلاثة حارة المزاج في سن الشباب ، أحدها تعود على تناول الأغذية الحارة ، والثان  تعود تناول الباردة ، والثالث اعتاد تناول المتوسطة ، فإن الأول متى تناول عسلاً لم يضره . والثاني يضر به العسل ، والثالث يضره العسل قليلاً فالعادة ركن عظيم في حفظ الصحة ، ومعالجة الأمراض ، ولذلك جاء الطب النبوي بإجراء كل بدن على عاداته في استعمال الغذاء والدواء 


الكتاب : التغذية العلاجية في الطب   النبوي٠
المؤلف : السعيد الناصري



الأحد، 15 يناير 2023

هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِفْرَاغِ بِالْقَيْءِ - الطب النبوي

 هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِفْرَاغِ بِالْقَيْءِ

هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِفْرَاغِ بِالْقَيْءِ - الطب النبوي



رَوَى الترمذي فِي «جَامِعِهِ» عَنْ معدان بن أبي طلحة، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ، فَتَوَضَّأَ فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ:
صَدَقَ، أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ. قَالَ الترمذي: وَهَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ في الباب  .

الْقَيْءُ: أَحَدُ الْاِسْتِفْرَاغَاتِ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الِاسْتِفْرَاغِ، وَهِيَ الْإِسْهَالُ، وَالْقَيْءُ، وَإِخْرَاجُ الدَّمِ، وَخُرُوجُ الْأَبْخِرَةِ وَالْعَرَقِ، وَقَدْ جَاءَتْ بِهَا السُّنَّةُ.
فَأَمَّا الْإِسْهَالُ: فَقَدْ مَرَّ فِي حَدِيثِ «خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْمَشِيُّ» وَفِي حَدِيثٍ «السَّنَا.
وَأَمَّا إِخْرَاجُ الدَّمِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْحِجَامَةِ.
وَأَمَّا اسْتِفْرَاغُ الْأَبْخِرَةِ، فَنَذْكُرُهُ عَقِيبَ هَذَا الْفَصْلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَمَّا الِاسْتِفْرَاغُ بِالْعَرَقِ، فَلَا يَكُونُ غَالِبًا بِالْقَصْدِ، بَلْ بِدَفْعِ الطَّبِيعَةِ لَهُ إِلَى ظَاهِرِ الْجَسَدِ، فَيُصَادِفُ الْمَسَامَّ مُفَتَّحَةً، فَيَخْرُجُ منها.
والقيء استفراغ من أعلا الْمَعِدَةِ، وَالْحُقْنَةُ مِنْ أَسْفَلِهَا، وَالدَّوَاءُ مِنْ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلِهَا، وَالْقَيْءُ: نَوْعَانِ: نَوْعٌ بِالْغَلَبَةِ وَالْهَيَجَانِ، وَنَوْعٌ بِالِاسْتِدْعَاءِ وَالطَّلَبِ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا يَسُوغُ حَبْسُهُ وَدَفْعُهُ إِلَّا إِذَا أَفْرَطَ وَخِيفَ مِنْهُ التَّلَفُ، فَيُقْطَعُ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي تُمْسِكُهُ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَأَنْفَعُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِذَا رُوعِيَ زَمَانُهُ وَشُرُوطُهُ الَّتِي تُذْكَرُ.
وَأَسْبَابُ الْقَيْءِ عَشَرَةٌ.
أَحَدُهَا: غَلَبَةُ الْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ، وَطَفْوُهَا عَلَى رَأْسِ الْمَعِدَةِ، فَتَطْلُبُ الصُّعُودَ.
الثَّانِي: مِنْ غَلَبَةِ بَلْغَمٍ لَزِجٍ قَدْ تَحَرَّكَ فِي الْمَعِدَةِ، وَاحْتَاجَ إِلَى الْخُرُوجِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَعْفِ الْمَعِدَةِ فِي ذَاتِهَا، فَلَا تَهْضِمُ الطَّعَامَ، فَتَقْذِفُهُ إِلَى جِهَةِ فَوْقَ.
الرَّابِعُ: أَنْ يُخَالِطَهَا خَلْطٌ رَدِيءٌ يَنْصَبُّ إِلَيْهَا، فَيُسِيءُ هَضْمَهَا، وَيُضْعِفُ فِعْلَهَا.
الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ زِيَادَةِ الْمَأْكُولِ أَوِ الْمَشْرُوبِ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي تَحْتَمِلُهُ الْمَعِدَةُ، فَتَعْجِزُ عَنْ إِمْسَاكِهِ، فَتَطْلُبُ دَفْعَهُ وَقَذْفَهُ.
السَّادِسُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ عَدَمِ مُوَافَقَةِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لَهَا، وَكَرَاهَتِهَا لَهُ، فَتَطْلُبُ دَفْعَهُ وَقَذْفَهُ.
السَّابِعُ: أَنْ يَحْصُلَ فِيهَا مَا يُثَوِّرُ الطَّعَامَ بِكَيْفِيَّتِهِ وَطَبِيعَتِهِ، فَتَقْذِفُ بِهِ.
الثَّامِنُ: الْقَرَفُ، وَهُوَ مُوجِبُ غَثَيَانِ النَّفْسِ وَتَهَوِّعِهَا.


التَّاسِعُ: مِنَ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ، كَالْهَمِّ الشَّدِيدِ، وَالْغَمِّ، وَالْحَزَنِ، وَغَلَبَةِ اشْتِغَالِ الطَّبِيعَةِ وَالْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ بِهِ، وَاهْتِمَامِهَا بِوُرُودِهِ عَنْ تَدْبِيرِ الْبَدَنِ، وَإِصْلَاحِ الْغِذَاءِ، وَإِنْضَاجِهِ، وَهَضْمِهِ، فَتَقْذِفُهُ الْمَعِدَةُ، وَقَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ تَحَرُّكِ الْأَخْلَاطِ عِنْدَ تَخَبُّطِ النَّفْسِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ يَنْفَعِلُ عَنْ صَاحِبِهِ، وَيُؤَثِّرُ فِي كَيْفِيَّتِهِ.
الْعَاشِرُ: نَقْلُ الطَّبِيعَةِ بِأَنْ يَرَى مَنْ يَتَقَيَّأُ، فَيَغْلِبُهُ هُوَ الْقَيْءُ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ، فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ نَقَّالَةٌ.
وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ حُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ، قَالَ: كَانَ لِي ابْنُ أُخْتٍ حَذَقَ فِي الْكُحْلِ، فَجَلَسَ كَحَّالًا، فَكَانَ إِذَا فَتَحَ عَيْنَ الرَّجُلِ، وَرَأَى الرَّمَدَ وَكَحَّلَهُ، رَمِدَ هُوَ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَتَرَكَ الْجُلُوسَ. قُلْتُ لَهُ: فَمَا سَبَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَقْلُ الطَّبِيعَةِ، فَإِنَّهَا نَقَّالَةٌ، قَالَ: وَأَعْرِفُ آخَرَ، كَانَ رَأَى خُرَّاجًا فِي مَوْضِعٍ مِنْ جِسْمِ رَجُلٍ يَحُكُّهُ، فَحَكَّ هُوَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، فَخَرَجَتْ فِيهِ خُرَّاجَةٌ. قلت: وكل هذا لابد فِيهِ مِنِ اسْتِعْدَادِ الطَّبِيعَةِ، وَتَكُونُ الْمَادَّةُ سَاكِنَةً فِيهَا غَيْرَ مُتَحَرِّكَةٍ، فَتَتَحَرَّكُ لِسَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ، فَهَذِهِ أَسْبَابٌ لِتَحَرُّكِ الْمَادَّةِ لَا أَنَّهَا هي الموجبة لهذا العارض.

وَلَمَّا كَانَتِ الْأَخْلَاطُ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ، وَالْأَزْمِنَةِ الْحَارَّةِ تَرِقُّ وَتَنْجَذِبُ إِلَى فَوْقَ، كَانَ الْقَيْءُ فِيهَا أَنْفَعَ. وَلَمَّا كَانَتْ فِي الْأَزْمِنَةِ الْبَارِدَةِ وَالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ تَغْلُظُ، وَيَصْعُبُ جَذْبُهَا إِلَى فَوْقَ، كَانَ اسْتِفْرَاغُهَا بِالْإِسْهَالِ أَنْفَعَ.
وَإِزَالَةُ الْأَخْلَاطِ وَدَفْعُهَا تَكُونُ بِالْجَذْبِ وَالِاسْتِفْرَاغِ، وَالْجَذْبُ يَكُونُ مِنْ أَبْعَدِ الطُّرُقِ، وَالِاسْتِفْرَاغُ مِنْ أَقْرَبِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَادَّةَ إِذَا كَانَتْ عَامِلَةً فِي الِانْصِبَابِ أَوِ التَّرَقِّي لَمْ تَسْتَقِرَّ بَعْدُ، فَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى الْجَذْبِ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَصَاعِدَةً جُذِبَتْ مِنْ أَسْفَلَ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْصَبَّةً جُذِبَتْ مِنْ فَوْقَ، وَأَمَّا إِذَا اسْتَقَرَّتْ فِي مَوْضِعِهَا، اسْتَفْرَغَتْ مِنْ أَقْرَبِ الطُّرُقِ إِلَيْهَا، فَمَتَى أَضَرَّتِ الْمَادَّةُ بِالْأَعْضَاءِ الْعُلْيَا، اجْتُذِبَتْ مِنْ أَسْفَلَ، وَمَتَى أَضَرَّتْ بِالْأَعْضَاءِ السُّفْلَى، اجْتُذِبَتْ مِنْ فَوْقَ، وَمَتَى اسْتَقَرَّتِ، اسْتَفْرَغَتْ مِنْ أَقْرَبِ مَكَانٍ إِلَيْهَا، وَلِهَذَا احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَاهِلِهِ تَارَةً، وَفِي رَأْسِهِ أُخْرَى، وَعَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ تَارَةً، فَكَانَ يَسْتَفْرِغُ مَادَّةَ الدَّمِ الْمُؤْذِي مِنْ أقرب مكان إليه. والله أعلم.

وَالْقَيْءُ يُنَقِّي الْمَعِدَةَ وَيُقَوِّيهَا، وَيُحِدُّ الْبَصَرَ، وَيُزِيلُ ثِقَلَ الرَّأْسِ، وَيَنْفَعُ قُرُوحَ الْكُلَى، وَالْمَثَانَةِ، وَالْأَمْرَاضَ الْمُزْمِنَةَ كَالْجُذَامِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالْفَالِجِ وَالرَّعْشَةِ، وَيَنْفَعُ الْيَرَقَانَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ الصَّحِيحُ فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ حِفْظِ دَوْرٍ، لِيَتَدَارَكَ الثَّانِي مَا قَصَّرَ عَنْهُ الْأَوَّلُ، وَيُنَقِّي الْفَضَلَاتِ الَّتِي انْصَبَّتْ بِسَبَبِهِ، وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ يَضُرُّ الْمَعِدَةَ، وَيَجْعَلُهَا قَابِلَةً لِلْفُضُولِ، وَيَضُرُّ بِالْأَسْنَانِ وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ، وَرُبَّمَا صَدَعَ عِرْقًا، وَيَجِبُ أَنْ يَجْتَنِبَهُ مَنْ بِهِ وَرَمٌ فِي الْحَلْقِ، أَوْ ضَعْفٌ فِي الصَّدْرِ، أَوْ دَقِيقُ الرَّقَبَةِ، أَوْ مُسْتَعِدٌّ لِنَفْثِ الدَّمِ، أَوْ عُسْرِ الْإِجَابَةِ لَهُ.
وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُسِيءُ التَّدْبِيرَ، وَهُوَ أَنْ يمتلىء مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ يَقْذِفُهُ، فَفِيهِ آفَاتٌ عَدِيدَةٌ، مِنْهَا: أَنَّهُ يُعَجِّلُ الْهَرَمَ، وَيُوقِعُ فِي أَمْرَاضٍ رَدِيئَةٍ، وَيَجْعَلُ الْقَيْءَ لَهُ عَادَةً. وَالْقَيْءُ مَعَ الْيُبُوسَةِ، وَضَعْفِ الْأَحْشَاءِ، وَهُزَالِ الْمَرَاقِّ «١» . أَوْ ضَعْفِ الْمُسْتَقِيءِ خَطَرٌ.
وَأَحْمَدُ أَوْقَاتِهِ الصَّيْفُ وَالرَّبِيعُ دُونَ الشِّتَاءِ وَالْخَرِيفِ، وَيَنْبَغِي عِنْدَ الْقَيْءِ أَنْ يَعْصِبَ الْعَيْنَيْنِ، وَيَقْمِطَ الْبَطْنَ، وَيَغْسِلَ الْوَجْهَ بِمَاءٍ بَارِدٍ عِنْدَ الْفَرَاغِ، وَأَنْ يَشْرَبَ عَقِيبَهُ شَرَابَ التِّفَّاحِ مَعَ يَسِيرٍ مِنْ مُصْطَكَى، وَمَاءُ الْوَرْدِ يَنْفَعُهُ نفعا بيتا.
وَالْقَيْءُ يُسْتَفْرَغُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ، وَيُجْذَبُ مِنْ أَسْفَلَ، وَالْإِسْهَالُ بِالْعَكْسِ، قَالَ أبقراط: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْرَاغُ فِي الصَّيْفِ مِنْ فَوْقَ أَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِفْرَاغِ بِالدَّوَاءِ، وَفِي الشِّتَاءِ مِنْ أَسْفَلَ.

الكتاب: الطب النبوي (جزء من كتاب زاد المعاد لابن القيم)
المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت ٧٥١هـ)



هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِلَاجِ السُّمِّ الَّذِي أَصَابَهُ بِخَيْبَرَ مِنَ الْيَهُودِ - الطب النبوي

  هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِلَاجِ السُّمِّ الَّذِي أَصَابَهُ بِخَيْبَرَ مِنَ الْيَهُودِ




ذَكَرَ عبد الرزاق، عَنْ معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عبد الرحمن بن كعب بن مالك: أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَصْلِيَّةً بِخَيْبَرَ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ» ؟
قَالَتْ: هَدِيَّةٌ، وَحَذِرَتْ أَنْ تَقُولَ: مِنَ الصَّدَقَةِ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا، فَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلَ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمْسِكُوا» ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: «هَلْ سَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ» ؟ قَالَتْ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «هَذَا الْعَظْمُ لِسَاقِهَا» ، وَهُوَ فِي يَدِهِ؟
قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «لِمَ» ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أَنْ يَسْتَرِيحَ مِنْكَ النَّاسُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا، لَمْ يَضُرَّكَ، قَالَ: فَاحْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةً عَلَى الْكَاهِلِ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْتَجِمُوا، فَاحْتَجَمُوا، فَمَاتَ بَعْضُهُمْ  .
وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى: وَاحْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَاهِلِهِ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَكَلَ مِنَ الشَّاةِ، حَجَمَهُ أبو هند بِالْقَرْنِ وَالشَّفْرَةِ، وَهُوَ مَوْلًى لِبَنِي بَيَاضَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى كَانَ وَجَعُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ: «مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأُكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مِنَ الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَرَ حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعِ الْأَبْهَرِ مِنِّي» فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا، قَالَهُ مُوسَى بْنُ عقبة»  .


مُعَالَجَةُ السُّمِّ تَكُونُ بِالِاسْتِفْرَاغَاتِ، وَبِالْأَدْوِيَةِ الَّتِي تُعَارِضُ فِعْلَ السُّمِّ وَتُبْطِلُهُ، إِمَّا بِكَيْفِيَّاتِهَا، وَإِمَّا بِخَوَاصِّهَا، فَمَنْ عَدِمَ الدَّوَاءَ، فَلْيُبَادِرْ إِلَى الِاسْتِفْرَاغِ الْكُلِّيِّ وَأَنْفَعُهُ الْحِجَامَةُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْبَلَدُ حَارًّا، وَالزَّمَانُ حَارًّا، فَإِنَّ الْقُوَّةَ السُّمِّيَّةَ تَسْرِي إِلَى الدَّمِ، فَتَنْبَعِثُ فِي الْعُرُوقِ وَالْمَجَارِي حَتَّى تَصِلَ إِلَى الْقَلْبِ، فَيَكُونُ الْهَلَاكُ، فَالدَّمُ هُوَ الْمَنْفَذُ الْمُوَصِّلُ لِلسُّمِّ إِلَى الْقَلْبِ وَالْأَعْضَاءِ، فَإِذَا بَادَرَ الْمَسْمُومُ، وَأَخْرَجَ الدَّمَ، خَرَجَتْ مَعَهُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ السُّمِّيَّةُ الَّتِي خَالَطَتْهُ، فَإِنْ كَانَ اسْتِفْرَاغًا تَامًّا لَمْ يَضُرَّهُ السُّمُّ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَذْهَبَ، وَإِمَّا أَنْ يَضْعُفَ فَتَقْوَى عَلَيْهِ الطَّبِيعَةُ، فَتُبْطِلُ فِعْلَهُ أَوْ تُضْعِفُهُ.
وَلَمَّا احْتَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، احْتَجَمَ فِي الْكَاهِلِ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْحِجَامَةُ إِلَى الْقَلْبِ، فَخَرَجَتِ الْمَادَّةُ السُّمِّيَّةُ مَعَ الدَّمِ لَا خُرُوجًا كُلِّيًّا، بَلْ بَقِيَ أَثَرُهَا مَعَ ضَعْفِهِ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ تَكْمِيلِ مَرَاتِبِ الْفَضْلِ كُلِّهَا لَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِكْرَامَهُ بِالشَّهَادَةِ، ظَهَرَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْأَثَرِ الْكَامِنِ مِنَ السُّمِّ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا، وَظَهَرَ سِرُّ قَوْلِهِ تَعَالَى لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْيَهُودِ: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [الْبَقَرَةِ: ٨٧] ، فَجَاءَ بِلَفْظِ كَذَّبْتُمْ بِالْمَاضِي الَّذِي قَدْ وَقَعَ مِنْهُ، وَتَحَقَّقَ، وَجَاءَ بِلَفْظِ: «تَقْتُلُونَ» بِالْمُسْتَقْبَلِ الذي  وينتظرونه، والله أعلم.


الكتاب: الطب النبوي (جزء من كتاب زاد المعاد لابن القيم)
المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت ٧٥١هـ)



الخميس، 12 يناير 2023

هدْيِهِ صَ فِي عِلَاجِ السُّمِّ الَّذِي أَصَابَهُ بِخَيْبَرَ مِنَ الْيَهُودِ - الطب النبوي

  هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِلَاجِ السُّمِّ الَّذِي أَصَابَهُ بِخَيْبَرَ مِنَ الْيَهُودِ

هدْيِهِ صَ فِي عِلَاجِ السُّمِّ الَّذِي أَصَابَهُ بِخَيْبَرَ مِنَ الْيَهُودِ - الطب النبوي



ذَكَرَ عبد الرزاق، عَنْ معمر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عبد الرحمن بن كعب بن مالك: أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَصْلِيَّةً بِخَيْبَرَ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ» ؟
قَالَتْ:


هَدِيَّةٌ، وَحَذِرَتْ أَنْ تَقُولَ: مِنَ الصَّدَقَةِ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا، فَأَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلَ الصَّحَابَةُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمْسِكُوا» ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَرْأَةِ: «هَلْ سَمَمْتِ هَذِهِ الشَّاةَ» ؟ قَالَتْ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «هَذَا الْعَظْمُ لِسَاقِهَا» ، وَهُوَ فِي يَدِهِ؟
قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «لِمَ» ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا أَنْ يَسْتَرِيحَ مِنْكَ النَّاسُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا، لَمْ يَضُرَّكَ، قَالَ: فَاحْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةً عَلَى الْكَاهِلِ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْتَجِمُوا، فَاحْتَجَمُوا، فَمَاتَ بَعْضُهُمْ  .
وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى: وَاحْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَاهِلِهِ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَكَلَ مِنَ الشَّاةِ، حَجَمَهُ أبو هند بِالْقَرْنِ وَالشَّفْرَةِ، وَهُوَ مَوْلًى لِبَنِي بَيَاضَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى كَانَ وَجَعُهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ: «مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأُكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مِنَ الشَّاةِ يَوْمَ خَيْبَرَ حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعِ الْأَبْهَرِ مِنِّي» فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا، قَالَهُ مُوسَى بْنُ عقبة»  .


مُعَالَجَةُ السُّمِّ تَكُونُ بِالِاسْتِفْرَاغَاتِ، وَبِالْأَدْوِيَةِ الَّتِي تُعَارِضُ فِعْلَ السُّمِّ وَتُبْطِلُهُ، إِمَّا بِكَيْفِيَّاتِهَا، وَإِمَّا بِخَوَاصِّهَا، فَمَنْ عَدِمَ الدَّوَاءَ، فَلْيُبَادِرْ إِلَى الِاسْتِفْرَاغِ الْكُلِّيِّ وَأَنْفَعُهُ الْحِجَامَةُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْبَلَدُ حَارًّا، وَالزَّمَانُ حَارًّا، فَإِنَّ الْقُوَّةَ السُّمِّيَّةَ تَسْرِي إِلَى الدَّمِ، فَتَنْبَعِثُ فِي الْعُرُوقِ وَالْمَجَارِي حَتَّى تَصِلَ إِلَى الْقَلْبِ، فَيَكُونُ الْهَلَاكُ، فَالدَّمُ هُوَ الْمَنْفَذُ الْمُوَصِّلُ لِلسُّمِّ إِلَى الْقَلْبِ وَالْأَعْضَاءِ، فَإِذَا بَادَرَ الْمَسْمُومُ، وَأَخْرَجَ الدَّمَ، خَرَجَتْ مَعَهُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ السُّمِّيَّةُ الَّتِي خَالَطَتْهُ، فَإِنْ كَانَ اسْتِفْرَاغًا تَامًّا لَمْ يَضُرَّهُ السُّمُّ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَذْهَبَ، وَإِمَّا أَنْ يَضْعُفَ فَتَقْوَى عَلَيْهِ الطَّبِيعَةُ، فَتُبْطِلُ فِعْلَهُ أَوْ تُضْعِفُهُ.
وَلَمَّا احْتَجَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، احْتَجَمَ فِي الْكَاهِلِ، وَهُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْحِجَامَةُ إِلَى الْقَلْبِ، فَخَرَجَتِ الْمَادَّةُ السُّمِّيَّةُ مَعَ الدَّمِ لَا خُرُوجًا كُلِّيًّا، بَلْ بَقِيَ أَثَرُهَا مَعَ ضَعْفِهِ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ تَكْمِيلِ مَرَاتِبِ الْفَضْلِ كُلِّهَا لَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِكْرَامَهُ بِالشَّهَادَةِ، ظَهَرَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْأَثَرِ الْكَامِنِ مِنَ السُّمِّ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا، وَظَهَرَ سِرُّ قَوْلِهِ تَعَالَى لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْيَهُودِ: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [الْبَقَرَةِ: ٨٧] ، فَجَاءَ بِلَفْظِ كَذَّبْتُمْ بِالْمَاضِي الَّذِي قَدْ وَقَعَ مِنْهُ، وَتَحَقَّقَ، وَجَاءَ بِلَفْظِ: «تَقْتُلُونَ» بِالْمُسْتَقْبَلِ الذي يتوقعونه وينتظرونه، والله أعلم.


الكتاب: الطب النبوي (جزء من كتاب زاد المعاد لابن القيم)
المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت ٧٥١هـ)



الأربعاء، 11 يناير 2023

وجوب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم - أشراط الساعة

 وجوب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم 

وجوب الإيمان بكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم - أشراط الساعة



رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم التي جاء بها من عند الله عز وجل أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده أجمعين، والسعادة والفلاح والصلاح في الدنيا والآخرة لمن أطاعه صلى الله عليه وسلم واتبع هديه وسار على نهجه، وحاجة البشر إلى هذه الشريعة التي جاء الرسول بها صلى الله عليه وسلم أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب.
يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى - عن الرسول صلى الله عليه وسلم: أرسله الله رحمة للعالمين، وإماما للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين، أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته وتعزيره وتوقيره ومحبته، والقيام بحقوقه، وسد دون جنته الطرق، فلن تفتح لأحد إلا من طريقه، فشرح له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عمه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره  وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على جميع الخلق، طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به واجتناب ما نهى عنه، وحذرهم من مخالفة أمره، وجعل طاعته سبحانه وتعالى طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك أن التصديق الجازم بالرسول صلى الله عليه وسلم يقتضي التسليم المطلق والتام لما جاء له ويستلزم طاعته فيما بلغه عن الله تعالى، وهذا من أعظم لوازم محبته صلى الله عليه وسلم والإيمان به، وهو من مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، وقد جاءت نصوص كثيرة في القرآن والسنة توجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتبين العلاقة بينها وبين طاعة الله تعالى، وتحذر من معصيته ومخالفة أمره عليه الصلاة والسلام. ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: ١٣٢]  وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: ٣١]  .

وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: ٣٢]  .
وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠]  .
وقال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: ١٧]  وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]  وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣]  وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: ٢٣]  وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: ١٤]  .
والآيات في الأمر بطاعته والتحذير من معصيته كثيرة في كتاب الله عز وجل.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " وقد أمر الله بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه فلا يذكر الله إلا ذكر معه "  .
ومن الأحاديث الدالة على وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم، ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله»  الحديث.


وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: " من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى»  .
فهذه الآيات والأحاديث توجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال ما جاء به، وذلك بفعل ما أمر به وتجنب ما نهى عنه، وتبين أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي مفتاح الجنة وسبيل النجاة، فلا فلاح ولا سعادة ولا نجاة للعبد إلا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن أطاعه فيما جاء به من الحق المبين، فقد نجا وزحزح نفسه عن النار، ومن أبى وتكبر وعصى، ولم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به فقد خسر خسرانا مبينا، وعرض نفسه لعذاب الله عز وجل، فإنه ما من خير يوصل إلى الجنة إلا ودلنا عليه، وما من شر يوصل إلى النار إلا وحذرنا منه عليه الصلاة والسلام. فيجب على كل مسلم طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه، واقتفاء أثره والسير على هديه، وعدم مخالفة أمره ونهيه، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: ٦٤]  وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: ٢١]  .
فعبادة الله وطاعته لم تترك للأهواء والأفكار، بل هي مقيدة باتباعه صلى الله عليه وسلم فيما شرعه لأمته، وهذا هو مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد رتب الله سبحانه وتعالى على اتباعه والاقتداء بسنته، الاهتداء والمغفرة، وجعله علامة على صدق المحبة لله تعالى، قال عز وجل: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨]  ولما ادعى اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه، أنزل آية المحبة، وهي قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: ٣١ - ٣٢]  .

ولا شك أن مما يجب على العباد، محبة ربهم الذي خلقهم وأنعم عليهم، ولكن حصول هذه المحبة وقبولها متوقف على اتباع هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الله من ثواب اتباعه محبة الله تعالى لمن اتبعه ومغفرته له، ولكن علامة هذا الاتباع طاعته صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه، والاقتداء به في سيرته وأعماله وقرباته، وتجنب كل ما نهى عنه، والحذر من مخالفته التي نهايتها الخروج عن التأسي به؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما تعبدنا بطاعته واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم بما شرع لنا من هذا الدين الكامل، ولهذا رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين أعرضوا عن الطيبات التي أنعم الله بها على عباده وهجروها تعبدا لله وتقربا إليه، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»  .
والمتأمل في حال كثير من المسلمين اليوم يرى أنهم تركوا الاتباع والاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبحت السنة عندهم أمرا مستغربا مستنكرا لجهلهم بها وبعدهم عنها، واستبدلوا ذلك بالبدع التي لا أصل لها ولا دليل عليها من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فاتخذوها دينا يدينون به، فانعكست بذلك الموازين لديهم فأصبحوا يرون الحق باطلا والباطل حقا، والمعروف منكرا والمنكر معروفا، وما ذلك إلا لكونهم لم يعرفوا من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، بسبب ما هم عليه من قلة العلم وعدم معرفتهم بالسنة، حتى وصل الحال إلى الوقوع في الشرك كما هو مشاهد في كثير من بلاد المسلمين، وذلك بصرف ما هو حق لله سبحانه وتعالى، لأصحاب القبور وإشراكهم مع الله فيما لا يستحقه ولا يقدر عليه إلا الله، وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله أبدا.
ومن أصول الإيمان ولوازمه، التصديق الجازم بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم والتسليم بصحة كل ما أخبر به، وبأنه بلغ الرسالة؛ لأن ما جاء به وحي من الله تعالى، كما قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤]  .


وقد قال الله تعالى في الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: ٣٣] .
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلقب قبل بعثته بالصادق الأمين، وكانت قريش تدعوه بذلك. لذا يجب علينا تصديقه صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به، ومن رد شيئا مما أخبر به عليه الصلاة والسلام وكذبه فيه فهو كافر، سواء كان رده اتباعا للهوى، أو لشريعة منسوخة، أو لفلسفة موروثة، أو لعلم وضعي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار»  فكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بوقوعه فالإيمان به واجب على كل مسلم، وذلك من تحقيق الشهادة بأنه رسول الله، وقد قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤]  .
وكل شيء أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون بعده، فوقع الأمر فيه طبق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فهو من معجزاته وأعلام نبوته عليه الصلاة والسلام.
يقول الموفق أبو محمد المقدسي  - رحمه الله -: " ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل حديث الإسراء والمعراج، ومن ذلك أشراط الساعة مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام وقتله له، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل "  .


الكتاب: أشراط الساعة
المؤلف: عبد الله بن سليمان الغفيلي