الثلاثاء، 27 مايو 2025

بَيْنَ الغَضْبَانِ بنِ القَبْعَثْرِيِّ وَعَرَبِيٍّ مِنْ بَنِي بَكْرٍ

 


بيْنَ الغَضْبَانِ بنِ القَبْعَثْرِي وَعَرَبِيٍّ مِنْ بَنِي بَكْرٍ

كَانَ بَيْنَ العَرَبِ رَجُلٌ اسْمُهُ الغَضْبَانُ بنُ القَبْعَثْرِيِّ، فَبَيْنَمَا كَانَ رَاجِعًا مِنْ رَمْلَةِ كِرْمَانَ فِي شِدَّةِ الحَرِّ وَالقَيْظِ، وَهِيَ رَمْلَةٌ شَدِيدَةُ الرَّمْضَاءِ،


وَضَرَبَ خِبَاءَهُ فِيهَا وَحَطَّ عَنْ رَوَاحِلِهِ، إِذْ بِأَعْرَابِيٍّ مِنْ بَنِي بَكْرِ بنِ وَائِلٍ وَقَدْ أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ قَاصِدًا نَحْوَهُ، وَقَدِ اشْتَدَّ الحَرُّ وَحَمِيَتِ الغَزَالَةُ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ، وَظَمِئَ ظَمَأً شَدِيدًا، فَقَالَ لَهُ:  - السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. 


فَقَالَ الغَضْبَانُ:  - هِيَ سُنَّةٌ وَرَدُّهَا فَرِيضَةٌ، قَدْ فَازَ قَائِلُهَا وَخَسِرَ تَارِكُهَا، مَا حَاجَتُكَ يَا أَعْرَابِيُّ؟  قَالَ:  - أَصَابَتْنِي الرَّمْضَاءُ وَشِدَّةُ الحَرِّ وَالظَّمَأُ، فَيَمَّمْتُ قُبَّتَكَ أَرْجُو بَرَكَتَهَا.  فَقَالَ الغَضْبَانُ:  - هَلَّا يَمَّمْتَ قُبَّةً أَكْبَرَ مِنْ هَذِهِ وَأَعْظَمَ؟  قَالَ:  - أَيَّتُهُنَّ تَعْنِي؟  فَقَالَ:  - هِيَ قُبَّةُ الأَمِيرِ ابْنِ الأَشْعَثِ. 


قَالَ:  - تِلْكَ لَا يُوصَلُ إِلَيْهَا.  فَقَالَ: - إِنَّ هَذِهِ أَمْنَعُ مِنْهَا.  فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: - مَا اسْمُكَ يَا عَبْدَ اللهِ؟  قَالَ:  - آخِذُ.  فَقَالَ:  - وَمَا تُعْطِي؟  قَالَ:  - أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ لِيَ اسْمَانِ.  فَقَالَ:  - بِاللهِ، مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟  قَالَ:  - مِنَ الأَرْضِ.  قَالَ: 

- وَأَيْنَ تُرِيدُ؟  قَالَ:   - أَمْشِي فِي مَنَاكِبِهَا وَآكُلُ مِنْ رِزْقِهَا. 

فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ وَهُوَ يَرْفَعُ رِجْلًا وَيَضَعُ أُخْرَى مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ:  - أَتَقْرِضُ الشِّعْرَ؟ 

قَالَ:  - إِنَّمَا يَقْرِضُ الفَأْرُ. قَالَ:  - أَفَتَسْجَعُ؟  قَالَ:  - إِنَّمَا تَسْجَعُ الحَمَامَةُ.  فَقَالَ:  - يَا هَذَا، ائْذَنْ لِي أَنْ أَدْخُلَ قُبَّتَكَ.  قَالَ:  - خَلْفَكَ أَوْسَعُ لَكَ.  فَقَالَ:  - أَحْرَقَتْنِي حَرَارَةُ الشَّمْسِ.  قَالَ:  - لَيْسَ لِي عَلَيْهَا مِنْ سُلْطَانٍ.  فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ:  - الرَّمْضَاءُ قَدْ أَحْرَقَتْ قَدَمِي. 

قَالَ:  - بَلْ عَلَيْهَا تَبْرُدُ.  فَقَالَ:  - لَا تَخَفْ، إِنِّي لَا أُرِيدُ طَعَامَكَ وَلَا شَرَابَكَ.  قَالَ:  - لَا تَتَعَرَّضْ لِمَا لَا تَصِلُ إِلَيْهِ، وَلَوْ تَلِفَتْ رُوحُكَ. 

فَقَالَ: -سُبْحَانَ اللهِ!  قَالَ:  - نَعَمْ، إِنْ تَطْلُعْ أَضْرَاسُكَ. 

فَقَالَ:  - يَا رَجُلُ، مَا عِنْدَكَ غَيْرُ هَذَا؟ 

قَالَ:  - بَلَى، هَرَاوَةً أَضْرِبُ بِهَا رَأْسَكَ.  فَاسْتَغَاثَ الأَعْرَابِيُّ:  - يَا جَارَ بَنِي كَعْبٍ!  فَقَالَ الغَضْبَانُ:  - بِئْسَ الشَّيْخُ أَنْتَ! فَوَاللهِ مَا ظَلَمَكَ أَحَدٌ فَتَسْتَغِيثُ، وَتَجَارُّ بِهَذَا الصَّوْتِ المُتَكَرِّ.  قَالَ الأَعْرَابِيُّ:  - وَاللهِ مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَقْسَى مِنْكَ قَلْبًا! أَتَيْتُكَ مُسْتَغِيثًا فَحَجَبْتَنِي وَطَرَدْتَنِي، هَلَّا أَدْخَلْتَنِي قُبَّتَكَ وَطَارَحْتَنِي القَرِيضَ. 


فَقَالَ الغَضْبَانُ:  - مَا لِي بِمُحَادَثَتِكَ مِنْ حَاجَةٍ.  فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ:  - بِاللهِ، مَا اسْمُكَ وَمَنْ أَنْتَ؟  فَقَالَ:  - أَنَا الغَضْبَانُ بنُ القَبْعَثْرِيِّ.  قَالَ الأَعْرَابِيُّ:  - اسْمَانِ مُنْكَرَانِ، خُلِقَا مِنْ غَضَبٍ.  فَقَالَ لَهُ: 

- قِفْ مُتَوَكِّنًا عَلَى بَابِ قُبَّتِي بِرِجْلِكَ هَذِهِ العَرْجَاءِ.  قَالَ الأَعْرَابِيُّ:  - قَطَعَهَا اللهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ خَيْرًا مِنْ رِجْلِكَ هَذِهِ الشَّنْعَاءِ. 


فَقَالَ لَهُ:  - لَوْ كُنْتَ حَاكِمًا لَجَرَى فِي حُكُومَتِكَ؛ لِأَنَّ رِجْلِي فِي الظِّلِّ قَاعِدَةٌ، وَرِجْلُكَ فِي الرَّمْضَاءِ قَائِمَةٌ.  قَالَ الأَعْرَابِيُّ:  - إِنِّي لَأَظُنُّكَ حَرُورِيًّا.  فَقَالَ لَهُ:  - اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ يَتَحَرَّى الخَيْرَ وَيُرِيدُهُ.  فَسَكَتَ.  قَالَ الأَعْرَابِيُّ:  - إِنِّي لَأَظُنُّ عُنْصُرَكَ فَاسِدًا.  فَقَالَ لَهُ:  - مَا أَقْدَرُنِي عَلَى إِصْلَاحِهِ.  فَسَكَتَ.


بَيْنَ الغَضْبَانِ بنِ القَبْعَثْرِيِّ وَعَرَبِيٍّ مِنْ بَنِي بَكْرٍ

بَيْنَ الغَضْبَانِ بنِ القَبْعَثْرِيِّ وَعَرَبِيٍّ مِنْ بَنِي بَكْرٍ


























0 التعليقات:

إرسال تعليق