الأحد، 12 أغسطس 2018

الصفحة (27) : ۩ مسألة العذر بالجهل

 
الصفحة (27) : ۩ مسألة العذر بالجهل :
 
الصفحة (27) : مسألة العذر بالجهل

 
۩  مسألة العذر بالجهل :
 
- و أخو الجهالة في خفارة جهله     *     و الجهل قد ينجي من الكفران
 
- الخفارة بتثليث الخاء : الأمان و الذمة، اللسان.

- يشير رحمه الله بقوله : << و الجهل قد ينجي من الكفران >> إلى أن بعض من يقع منه مخالفة لأوامر الدين أو وقوع في بعض صور الشرك أو الكفر قد يعذر بجهله، و مسألة العذر بالجهل فيها كلام طويل لأهل العلم، و لعلي أتكلم عن هذه المسألة بشيء من التوسع و التفصيل و ذلك لأن بعض الناس يعتذر عن الجهمية و المعتزلة و غيرهم من فرق الضلال و يقول : هؤلاء جهال و لم يجدوا من يعلمهم، و يعذرون بجهلهم، و نحو ذلك، و رأيت أن أفضل هذه المسألة في هذه النقاط :
 
+ الأولى : المقصود بالجهل : خلو النفس من العلم، كما قال سبحانه : << وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا  >> النحل : 78.
 
+ الثانية : الجهل أمر أصلي ينبغي رفعه حسب الإستطاعة، قال الإمام ابن عبد البر : << و من أمكنه التعلم و لم يتعلم أثم >> التمهيد لابن عبد البر، و قال الإمام القرافي أحمد بن إدريس المالكي : << القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله و أوجب عليهم كافة أن يعلموها ثم يعملوا بها، فالعلم و العمل بها واجبان، فمن ترك التعلم و العمل و بقي جاهلا فقد عصى معصيتين بتركه واجبين.>> الفروق للقرافي.
 
+ الثالثة : أن العذر بالجهل له إعتبار في مسألة التكفير بالنسبة لمن يغلب عليه التلبس به كمن أسلم حديثا و من نشأ في البادية و نحوه، قال الإمام البخاري : كل من لم يعرف الله بكلامه أنه غير مخلوق فإنه يعلم و يرد جهله إلى الكتاب و السنة، فمن أبى بعد العلم به كان معاندا. قال تعالى : << وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا  >> النساء 115. خلق أفعال العباد.
 
- و قال شيخ الإسلام ابن تيمية : << من دعا غير الله و حج إلى غير الله فهو مشرك، و الذي فعله كفر، و لكن قد لا يكون عالما بأن هذا شرك محرم كما أن كثير من الناس دخلوا في الإسلام من التتار و غيرهم، و عندهم أصنام لهم و هم يتقربون إليها و يعظمونها، و لا يعلمون أن ذلك محرم، فكثير من أنواع الشرك قد يخفى على بعض من دخل في الإسلام و لا يعلم أنه شرك. و قال في موضع آخر : << إن تكفير المعين و جواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها و إلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر.>>
 
- و لعل من أظهر الأدلة في اعتبار الجهل عذرا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال : << إن رجلا لم يعمل خيرا قط، فقال لأهله إذا مات فأحرقوه ثم اذروا نصفه في البر و نصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فلما مات الرجل، فعلوا به كما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، و أمر البحر فجمع ما فيه، فإذا هو قائم بين يديه، ثم قال : لما فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب و أنت أعلم فغفر الله له.>> أخرجه البخاري، فتح كتاب أحاديث الأنبياء، و مسلم.
 
- و قال شيخ الإسلام ابن تيمية : << فإن هذا الرجل قدرة الله على إعادته و رجا أنه لا يعيده بجهل ما أخبر به من الإعادة، و مع هذا لما كان مؤمنا بالله و أمره و نهيه و وعده و وعيده، خائفا من عذابه، و كان جهله بذلك جهلا لم تقم عليه الحجة التي توجب كفر مثله، غفر الله له، و مثل هذا كثير في المسلمين، و النبي (ص) كان يخبر بأخبار الأولين ليكون ذلك عبرة لهذه الأمة.
 
+ الرابعة : عندما نقرر أن للعذر بالجهل اعتبار في مسألة التكفير، لا يعني أن الجهل مقبول لكل من ادعاه، بل من لا يعذر بجهله، قال الإمام الشافعي : << إن من العلم ما لا يسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله مثل الصلوات الخمس و أن لله على الناس صوم رمضان و حج البيت إذا إستطاعوه، و زكاة في أموالهم و أنه حرم عليهم الزنا و القتل و السرقة و الخمر و ما كان في معنى هذا.>> الرسالة. و من المعلوم أن العذر بالجهل تتعلق به عدة أمور منها نوعية المسألة المجهولة، كأن تكون من المسائل الخفية، و كذلك حال الجاهل كحديث العهد بالإسلام أو الناشئ في البادية، و من حيث حال البيئة ففرق و جود مظنة العلم أو عدمه. و قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب : << إن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام و الذي نشأ ببادية، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف و العطف، فلا يكفر حتى يعرف، و أما أصول الدين التي أوضحها الله في كتابه فإن حجة الله هو القرآن، فمن بلغه فقد بلغته الحجة.>> و قال في موضع آخر : << إن الشخص المعين إذا قال ما يوجب الكفر فإنه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، و هذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس. و أما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله، و لا تجعل هذه الكلمة عكازة تدفع بها في نحر من كفر البلدة الممتنعة عن توحيد العبادة و الصفات بعد بلوغ الحجة و وضوح المحجبة.>> الدرر السنية.
 
+ الخامسة : أن العذر بالجهل فيمن وقعوا في الكفر أو الشرك لا يعني نفي الكفر و الشرك عنهم و هو ظاهر عليهم، و حكمهم الدنيوي أنهم كفار و مشركون، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : << أخبر الله تعالى عن هود أنه قال لقومه : <<اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ >> هود : 50. فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه لكونهم جعلوا مع الله إله آخر، فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة، فإنه يشرك بربه و يعدل به، و يجعل معه آلهة أخرى، و يجعل له أندادا قبل الرسول.. و أما التعذيب فلا.>>
- و قال إبن القيم رحمه الله : << الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر، و أن الله سبحانه و تعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول، هذا في الجملة، و التعيين موكول إلى علم الله و حكمه، هذا في أحكام الثواب و العقاب، و أما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر، فأطفال الكفار و مجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم.>> طريق الهجرتين.
 
- و جاء في فتوى للجنة للجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء بالمملكة العربية السعودية ما يلي : << كل من آمن برسالة نبينا محمد (ص) و سائر ما جاء به في الشريعة إذا سجد بعد ذلك لغير الله من و لي و صاحب قبر أو شيخ طريق يعتبر كافرا مرتدا عن الإسلام مشركا مع الله غيره في العبادة، و لو نطق بالشهادتين و قت سجوده، لإتيانه بما ينقض قوله من سجوده لغير الله، و لكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم و تقام عليه الحجة و يمهل ثلاثة أيام إعذارا إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب فإن أصر على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته.. فالبيان و إقامة الحجة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة، لا ليسمى كافرا بعد البيان، فإنه يسمى كافرا بما حدث منه من سجود لغير الله مثلا.>>
 
- فمما سبق يتبين لنا مقدار فقه الناظم رحمه الله بقوله : << و الجهل قد ينجي من الكفران.>> فلم يجزم بأن الجهل ينجي من الكفر مطلقا، لأن أحوال الجهال تختلف، و المسائل التي يقع عليها الجهل تتفاوت، كما تقرر ذلك فيما سبق و الله تعالى أعلم.
 

0 التعليقات:

إرسال تعليق