الحمية في الطب النبوي
الحمية عند ابن القيم هي نصف الدواء ونصفه الثاني حفظ الصحة ، وهي نوعان : حمية عما يجلب المرض وهي حمية الأصحاء ، وحمية عما يزيد المرض وهي خاصة بالمرضى ، تساعدهم على وقف استفحال المرض ومساعدة قوى الجسم على دفعه . " قال الله تعالى : « وإن كنتم مرضى أو على سفر أوجاء أحد منكم من الغابط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا » قال ابن القيم : حمى الله المريض من استعمال الماء لأنه يضره . وعن أم المنذر سلمى بنت قيس الأنصارية : دخل علي رسول اللہ ﷺ ومعه علي وعلي ناقه ولنا دوالي معلقة فقام رسول اللہ ﷺ يأكل منها وقام علي ليأكل فطفق رسول اللہ ﷺ يقول لعلي مه إنك ناقه حتى ، كف علي قالت : وصنعت شعيرا وسلقا فجئت به فقال رسول اللہ ﷺ یا علی أصب من هذا فهو أنفع لك . " وقال صهيب : قدمت على النبي ﷺ وبين يديه خبر وتمر فقال ادن فكل . فأخذت تمرا فأكلتُ فقال أتأكل تمرا وبك رمد فقلت يا رسول الله أمضغ من الناحية الأخرى فتبسّم رسول الله وقال طبيب العرب الحارث بن كلدة : " الحمية رأس الطب " . وبين ابن القيم أن أنفع ما تكون الحمية للناقه من المرض ، لأن طبيعته لم ترجع إلى قوتها ، وقوته الهاضمة ضعيفة ، وطبيعته قابلة للعطب ، وأعضاؤه مستعدة للتأذي فتناوله لبعض الطعام قد يتسبب في انتكاسة قد تكون أصعب من المرض الذي خرج منه . ولذلك منع رسول اللہ ﷺ عليا من تناول الرطب المعلقة ، لأن الفاكهة تضر بالناقه لسرعة استحالتها ، ولضعف طبيعة الجسم عن : دفعها ، لأنها لم تتمكن بعد من قوتها وهي مشغولة بدفع آثار العلة وإزالتها من البدن - وكذلك في الرطب نوع ثقل على المعدة ، فيشغل قوى الجسم بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقايا المرض وآثاره . فلما وضع السلق والشعير ، أمره أن يصيب منه لأنه من أنفع الأغذية للناقه ، لما فيه من التبريد والتغذية والتلطيف والتليين وتقوية الطبيعة ما هو أصلح للناقه ، ولاسيما إذا طبخ بأصول السلق ، فيصبح من أوفق الأغذية لمن في معدته ضعف ، ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه . وإذا اشتهى المريض نوعاً من الطعام ومالت نفسه إليه ، فتناول الشيء اليسير منه الذي لا يعجز جسمه عن هضمه ، لم يضره تناوله ، بل ربما انتفع منه ، لأن المعدة وطبيعة الجسم تتلقيانه بالقبول والمحبة ، فيصلحان ما يخشى من ضرره ، ويكون أنفع من تناول ما يكرهه المريض ، ولهذا أقر النبي ﷺ صهيباً وهو أرمد ( الرمد : ورم حار يصيب ملتحمة العين ) على تناول التمرات اليسيرة لعلمه أنها لن تضره وعن عقبة بن عامر قال رسول اللہ ﷺ : لا تكرهوا مرضاكم على الطعام " قال بعض فضلاء الأطباء : ما أغزر فوائد هذا الحديث المشتمل على حكم إلهية ، لاسيما للأطباء وللمعالجين ، فالمريض يعاف الطعام والشراب لأن جسمه في شغل جسيم بمجاهدة المرض ، أو لضعف الشهية أو نقصائها لضعف القوى الغريزية أو خمودها ، وفي كلتي الحالتين لا يجوز إعطاء الطعام للمريض.
الكتاب : التغذية العلاجية في الطب النبوي
المؤلف : السعيد الناصري
0 التعليقات:
إرسال تعليق