الصفحة (36) : ۩ طبقات العلم. و الحث على الأخد بما حدثوك به عن أصحاب محمد (ص)
۩ طبقات العلم. و الحث على الأخد بما حدثوك به عن أصحاب محمد (ص) :
- قال الشافعي رضي الله عنه : و العلم طبقات :
+ الأولى : الكتاب و السنة.
+ و الثانية : الإجماع فيما ليس كتاب و لا سنة.
+ الثالثة : أن يقول صحابي فلا يعلم له مخالف من الصحابة.
+ الرابعة : إختلاف الصحابة.
+ الخامسة القياس.
- ثنا إبن المبارك قال : سمعت أبا حنيفة يقول : إذا عن النبي (ص) فعلى الرأس و العين، و إذا جاء عن الصحابة نختار من قولهم، و إذا جاء عن التابعين زاحمناهم.
- قال (ص) : << و ما يدريك أن الله إطلع على أهل بذر فقال : إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم>>. بخاري-مسلم.
- و قوله تعلى : << وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا >>. و وجه الإستدلال بالآية : أنه سبحانه أنه أخبر أنه جعلهم أمة وسطا أي : خيارا عدولا، هذا حقيقة الوسط فهم خير الأمم و أعدلها في أقوالهم و أعمالهم و إراداتهم و نياتهم.
- و قال (ص) << خير القرون قرني الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلوهم، ثم الذين يلوهم>>.
- ما رواه إبن عيينة، عن عبد الله بن أبي يزيد قال : كان إبن عباس إذا سئل عن شيء، و كان في القرآن أو السنة قال به و إلا قال بما قال به أبو بكر و عمر فإن لم يكن قال برأيه.
- أن الصحابي إذا قال قولا أو حكم بحكم أو أفتى بفتيا فله مذارك ينفرد بها عنا، و مذارك نشاركه فيها، فأما ما يختص به فيجوز أن يكون سمعه من النبي (ص) شفاها أو من صحابي آخر عن رسول الله (ص) . فإن ما إنفردوا به من العلم عنا أكثر من أن يحاط به، فلم يرو كل منهم كل ما سمع، و أين ما سمعه الصديق رضي الله عنه و الفاروق و غيرهما من كبار الصحابة رضي الله عنهم إلى ما رووه؟ فلم يرو عنه صديق الأمة مئة حديث و هو لم يغب عن النبي (ص) في شيء من مشاهده، بل صحبه من حيث بعث بل قبل البعث إلى أن توفي، و كان أعلم الأمة به (ص) بقوله وفعله و هديه و سيرته، و كذلك أجلة الصحابة رواياتهم قليلة جدا بالنسبة إلى ما سمعوه من نبيهم (ص) عنهم، و شاهدوه و لو رووا كل ما سمعوه و شاهدوه لزاد على رواية أبي هريرة رضي الله عنه أضعافا مضاعفة، فإنه إنما صحبه أربع سنين، و قد روى عنه الكثير، فقول القائل : << لو كان عند الصحابي في هذه الواقعة شيء عن النبي (ص) لذكره >>. قول من لم يعرف سير القوم و أحوالهم، فإنهم كانوا يهابون الرواية عن رسول الله (ص) و يعظمونها و يقللونها خوف الزيادة و النقص، و يحدثون بالشيء الذي سمعوه من النبي (ص) مرارا، و لا يصرحون بالسماع، و لا يقول قال رسول الله (ص) فتلك الفتوى التي يفتى بها أحدهم لا تخرج عن ستة وجوه :
+ أحدها : أن يكون سمعها من النبي (ص).
+ الثاني : أن يكون سمعها ممن سمعها منه.
+ أن يكون فهمها من آية من كتاب الله فهما خفي علينا.
+ الرابع : أن يكون قد إتفق عليها ملؤهم، و لم ينقل إلينا إلا قول المفتي بها وحده.
+ الخامس : أن يكون لكمال علمه باللغة و دلالة اللفظ على اللفظ الذي إنفرد به عنا، أو لقرائن حالية إقترنت بالخطاب، أو لمجموع أمور فهموها على طول الزمان من رؤية النبي (ص) و مشاهدة أفعاله و أحواله و سيرته، و سماع كلامه و العلم بمقاصده و شهود تنزيل الوحي و مشاهدة تأويله بالفعل، فيكون فهم ما لم نفهمه نحن، و على هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة يجب إتباعها.
+ السادس : أن يكون فهم ما لم يرده الرسول (ص) و أخطأ في فهمه، و المراد غير ما فهمه، و على هذا التقدير لا يكون قوله حجة، و معلوم قطعا أن و قوع إحتمال من خمسة أغلب على الضن من وقوع إحتمال واحد معين، و هذا ما لا يشك فيه عاقل من بعده، يفيد ضنا غالبا قويا على الصواب في قوله دون ما خالفه من أقوال من بعده، و ليس المطلوب إلا الضن الغالب، و العمل به متعين، و يكفي العارف هذا الوجه.
- هذا فيما إنفردوا به عنا، أما المدارك التي شاركناهم فيها من دلالات الألفاظ و الأقيسة فلا ريب أنهم كانوا أبر قلوبا، و أعمق علما و أقل تكلفا و أقرب إلى أن يوفقوا فيما لم نوفق له نحن، لما خصهم الله به من توقد الأدهان، و فصاحة اللسان، و سعة العلم، و سهولة الأخد، و حسن الإدراك و سرعته، و قلة المعارض أو عدمه، و حسن القصد، و تقوى الرب تعالى، فالعربية طبيعتهم و سليقتهم، و المعاني الصحيحة مركوزة في فطرتهم و عقولهم، و لا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد و أحوال الرواة و علل الحديث و الجرح و التعديل، و لا إلى النظر في قواعد الأصول و أوضاع الأصوليين، بل غنوا عن ذلك كله، فليس في حقهم إلا أمران :
+ أحدهما : قال الله تعالى كذا، و قال رسوله كذا.
+ و الثاني : معناه كذا و كذا.، و هم أسعد الناس بهاتين المقدمتين، و أحظى الأمة بهما فقواهم متوفرة مجتمعة عليها، و أما المتأخرون فقواهم متفرقة و هممهم متشعبة، فالعربية و توابعها قد أخدت منها شعبة، و علم الإسناد و أحوال الرواة قد أخد منها شعبة، و فكرهم كلام مصنفيهم و شيوخهم على إختلافهم و ما أرادوا به قد أخد منها شعبة، إلى غير ذلك من الأمور، فإذا و صلوا إلى النصوص النبوية إن كان لهم همم تسافر إليها و صلوا إليها بقلوب و أذهان قد كلت من السير في سواها، فأدركوا من النصوص و معانيها بحسب تلك الفتوى، و هذا أمر يحسن به الناظر في مسألة إذا إستعمل قوى دهنية في غيرها، ثم صار إليها وافاها بذهن كال و قوة ضعيفة.
- و هذا شأن من إستعمل قواه في الأعمال غير المشروعة تضعف قوته عند العمل المشروع، كمن إستفرغ قوته في السماع الشيطاني فإذا جاء بقيام الليل قام إلى ورده بقوة كالة، و عزيمة باردة، و كذلك من صرف حبه و إرادته إلى الصور أو المال أو الجاه، فإذا طالب قلبه بمحبة الله فإن إنجدبت معه إنجدبت بقوة ضعيفة قد إستفرغها في محبة غيره، فمن إستفرغ قوى فكره في كلام الناس، فإذا جاء إلى كلام الله و كلام رسول الله جاء بفكرة كالة فأعطي بحسب ذلك.
- و المقصود أن الصحابة أغناهم الله تعالى عن ذلك كله، فاجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط، هذا إلى ما خصوا به من قوى الأدهان و صفائها، و صحتها و سرعة إدراكها، و كماله و كثرة المعاون، و قلة المعاوق، و قرب العهد بنور النبوة و التلقي من تلك المشكاة النبوية، فإذا كان هذا حالنا و حالهم فيما تميزوا به علينا و ما شاركناهم فيه فكيف نكون نحن أو شيوخنا أو شيوخهم أو من قلدناه أسعد بالصواب منهم في مسألة من المسائل؟ و من حدث نفسه بهذا فليعرها من الدين و العلم. و الله المستعان.
- قال عمر بن عبد العزيز : << قف حيث وقف القوم، و قل كما قالوا، و أسكت عما سكتوا، فإنهم على علم وقفوا، و ببصرنا قد كفوا، و هم على كشفها كانوا أقوى، و بالفضل لو كان فيها أحرى، أي فلئن كان الهدى ما أنتم عليه فلقد سبقتموهم إليه، ولأن قلتم : حدث بعدهم إلا من سلك غير سبيلهم و رغب بنفسه عنهم، و إنهم هم السابقون، و لقد تكلموا منه بما يكفي، و وصفوا منه ما يشفي، فمادونهم مقصر، و لا فوقهم محسر، و لقد قصر عنهم قوم فجفوا، و طمح عنهم آخرون فغلوا، و إنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم>>.
- قال الشعبي : << ما حدثوك به عن أصحاب محمد (ص) فخده، و ما حدثوك به عن رأيهم فانبده في الحش >>.
- و قد كان السلف الطيب إذا سئل أحدهم عن مسألة يقول للسائل : هل كانت أو وقعت فإن قال : لا لم يجبه، و قال دعنا في عافية، و هذا لأن الفتوى بالرأي لا تجوز إلا عند الضرورة، فالضرورة تبيحه، كما تبيح الميتة عند الإضطرار، و هذا إنما هو في مسألة لا نص فيها و لا إجماع، فإن كان فيها نص أو إجماع فعليه تبليغه بحسب الإمكان، ف : << من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار >>. الترمدي، و هذا إذا أمن المفتي غائلة الفتوى، فإن لم يأمن غائلتها، و خاف من ترتب شر أكبر من الإمساك عنها، أمسك عنها ترجيحا لدفع أعلى المفسدتين بإحتمال أدناها، و قد أمسك النبي (ص) عن نقض الكعبة و إعادتها على قواعد إبراهيم عليه السلام، لأجل حدثان عهد قريش بالإسلام، و إن ذلك ربما نفرهم عنه بعد الدخول فيه- البخاري-مسلم، و كذلك إن كان عقل السائل لا يحتمل الجواب عما سأل عنه و خاف المسؤول أن يكون فتنة له أمسك عن جوابه، قال إبن عباس رضي الله عنهما لرجل سأله عن تفسير آية : و ما يؤمنك أني لو أخبرتك بتفسيرها كفرت به؟ أي جحدته و أنكرته و كفرت به، و لم يرد أنك تكفر بالله و رسوله.
0 التعليقات:
إرسال تعليق